فلسطين أون لاين

زيارة بايدن: ما الجديد وما القديم حتى اللحظة...!!

عند الحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، لا يكون مستغرباً الحديث عن الدعم اللامتناهي للمشروع الصهيوني، الذي دائماً ما نؤكد على أنه الثكنة الأمريكية الغربية المتقدمة في منطقتنا. فالإعلان عن ٣٨ مليار دولار دعم أمني وعسكري، وأفق مليار إضافي كمساعدات عسكرية طارئة، لا يفترق في ذلك أي من الإدارات الأمريكية السابقة حتى اليوم.

وعندما يتحدث المختصون عن أن القضية الفلسطينية لم تكن يوماً أحد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، فإن تأمين الكيان الصهيوني هو أولى الأولويات فيها.. وأما الجديد هنا فهي المقاومة الفلسطينية وما أحدثته من تهديد حقيقي للمشروع الصهيوني خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد سيف القدس. وهنا إضافة للتقدم الميداني العسكري للمقاومة، إلا أن الأهم من ذلك هو ما أحدثته المقاومة الفلسطينية من تطوير المفاهيم النضالية، فإن الإنسجام الشعبي في كل جغرافيا الوطن وتوحده تحت عنوان القدس يشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني، وأما على المستوى الدولي فإن ما حدث في الرأي العام الغربي بعد سيف القدس يسجل مرحلة تاريخية في مكانة الرواية الصهيونية في المجتمع الغربي، فأصبحنا نقرأ ونسمع المختصون في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون عن عنصرية "إسرائيل" وعن جرائم ترتكبها ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.. ومنها ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز من صور لأكثر من عشرين طفل فلسطيني قتلتهم "إسرائيل"، ولا يخفى على أي منا ما تمثله هذه الصحيفة في السياسة والثقافة النخبوية والرأي العام الغربي.

لذلك عندما نتحدث عن تحالف بين قوى إقليمية مع السياسة الأمريكية "والإسرائيلية"، بشكل عام قد لايبدو أن هذا جديداً، لكن الجديد فيه أن يكون هذا التحالف عابراً للمعتقد والتاريخ المشترك للأمة ولتصبح أنت "ابن المنطقة" سواء رغبت بذلك أم لا عدواً لهذه التحالفات المرجوة صهيوأمريكياً. ولتصبح المقاومة الفلسطينية التي خصها ترامب وبايدن، والتي تدافع عن الأمن الجمعي للأمة، إرهاباً. وعليه من المنطقي جداً أن يكون هذا المشروع ضد طموحات الأمة حكومات وشعوباً.

باختصار فإن ما يمكن تصنيفه بالجديد في هذه الزيارة يقع في العناوين التالية:

⭕️ خسارة الرهان على تغيير الإدارة الأمريكية من جمهورية إلى ديمقراطية، في أن تتقمص أمريكا دور المنصف في قضايا المنطقة والقضية الفلسطينية، فالإهانات التي وجهها بايدن للجانب الفلسطيني خلال الزيارة، لا ينبغي على الجانب الفلسطيني تجاوزها، فلا زيارة لرام الله مقر السلطة، ولا لقاء ثنائي مع الرئيس عباس ولا بيان مشترك، ولا حتى احتفاظ بمصطلحات أسلو المنحوس، من قبيل ٦٧ والقدس المحتلة والسيادة الفلسطينية..وحتى ما أعلن حتى اللحظة عن برنامح الزيارة إلى المملكة العربية السعودية والتي بدأت في جدة اليوم وليس الرياض هو أيضاً مزيد من العنجهية الأمريكية والتي تحدث بايدن قبل بدأ الزيارة عن أنه مهتم بالمؤتمر الذي سيجمع دول الخليج+٣، ولم يهتم كثيراً بالحديث عن العلاقات الثنائية مع المملكة.

⭕️ لم يكن مستغرباً أن يتحدث بايدن ولبيد، ويحرضا ضد إيران، لكن الجديد هو محاولة إجبار القوى الإقليمية أن تدخل في حلف أمريكي "إسرائيلي" ضد إيران والصين وروسيا، وهو على الرغم من سلبياته إن حدث، إلا أنه يؤكد على ضعف وقلق المشروع الصهيوأمريكي الذي بدى عواره بسبب انسحابات أمريكا من المنطقة، ونتائج الأزمة الأوكرانية الروسية.

⭕️ محاولات إعادة هندسة المنطقة على أسس، تتجاوز الدين والمعتقد والتاريخ المشترك للمنطقة، وهنا يأتي التحالف الرباعي الجديد تحت عنوان I2U2، والذي يجمع أمريكا و"إسرائيل" والهند والإمارات العربية المتحدة، في منظومة اقتصادية أمنية جديدة، يمكنها من الإشراف على تحويل طرق التجارة المائية دولياً، وقد نجحت الهند في توقيع اتفاقية إدارة ميناء حيفا مع الكيان الصهيوني، وكذلك ما أعلن عنه من احتمالية "ناتو عربي" أو تحالف دفاعي صاروخي، تكون "إسرائيل" جزءً منه. 

⭕️ والعنوان الأخير هو الإعلان الصريح عن مواجهة التشكلات الشعبية والوطنية، والتي تمثل نبض الشارع على مستوى العالم من خلال إعلان الوثيقة المشتركة عن تجريم حملات المقاطعة مثل البي دي اس وحركات المقاومة الوطنية التي حظيت بثقة جماهيرها في المنطقة من خلال صناديق الاقتراع ومن خلال مصداقيتها وشرعيتها في مواجهة المحتل ببشرف وبطولة.

من المهم هنا استحضار أن مبدأ رحلة بايدن هذه هي الأزمة أمريكياً و"إسرائيلياً"، وهي ذات الأزمة التي عانى منها تحالف ترامب نتنياهو، سواء على الصعيد الانتخابي الداخلي في مجتمعاتهم، أو على صعيد التخبط والأزمات في السياسات الخارجية للطرفين. وإن مصير ترامب نتنياهو المخزي، سيكون هو ذات المصير لما يخطط له القيادة الأمريكي الصهيونية. 

ولعل الاختلاف في وجهات النظر عربياً، والذي يبدي قلقاً رسمياً عربياً من هذه الزيارة، أحد الأدلة على ما أسلفت. ومنها تصريحات المسؤولين الأردنيين التي تنفي أي معرفة عن حلف دفاعي عربي تكون "إسرائيل" عضواً فيه، بل ترحيبهم باهتمام إيران بالعلاقة مع جيرانها، أضف إلى ذلك التصريحات الإماراتية الإيجابية تجاه العلاقة مع إيران. ومن ثم توقعات المحليين الغربيين عن صعوبة المهمة التي سيقوم بها بايدن إلى المملكة العربية السعودية، وما أسمته السي أن أن اليوم بمسار الحبل البهلواني دبلوماسياً وسياسياً مع المملكة.. في دلالة من جانب على تجاوز المطالب الأمريكية كل الخطوط الحمر إقليمياً، ومن جانب آخر على عمق الأزمة التي تمر بها الإدارة الأمريكية.

 ثم أما بعد، 

إذا كان لا ينبغي أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً، كما قال العجوز بايدن، فإن على أبناء المنطقة أن يعيدوا حساباتهم، وأن يقدموا خيار الحوار والتحالف الداخلي على أي حوار أو تشكيل يسمح بالنفوذ الأجنبي إلى المنطقة، ويزيد من حالة الفرقة والتشرذم للنظام العربي، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بصورة عامة.

نحن أمام فرصة تاريخية من اختلال موازين القوى عالمياً، والتي تشكل قنطرة المرور لما يمكن تسميته تشكيل نظام عالمي جديد، لن يكون فيه إمكان للتفرد بالهيمنة الأمريكية، بل سيكون هناك فرص حقيقية لتشكل تحالفات إقليمية محترمة وقوية اقتصادياً وسياسياً وعسكراً إن أردنا، تجعل القوى العظمى تحترم التحالف معها والشراكة معها بندّية وليس على قاعدة التبعية.. وهنا يشكل الفكر المقاوم للهيمنة الصهيوأمريكية منطلقاً قوياً لفرض احترام على الآخر وإقامة تشكل جديد للمنطقة قائم على مصالح أبنائها، وليس على مصالح الأجنبي الصهيوأمريكي.