في مسعى لمقاومة التطبيع فنيًّا، برز فيلم "كرامة" كخطوة أردنية سينمائية جادة لرفض التقرب من الاحتلال الإسرائيلي، وتسليط الضوء على خطورته على جميع الدول العربية.
المخرج الأردني زيد غزال استقى اسم فيلمه السينمائي من معركة الكرامة ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي وافقت ذكراها الـ54 في 21 مارس/آذار 1968.
غزال يوضح لصحيفة "فلسطين" أن الفيلم يعالج بأبعاد مختلفة قضية التطبيع وترويج البعض لها من خلال قصة تتحدث عن جنديين (سليمان وسليم)، شاركا في معركة الكرامة ومع مرور الوقت أصبح أحدهما مطبعًا، بينما الثاني بقي ثابتًا ومتمسكًا في موقفه، والأمل يملأ قلبه بأن مصير الاحتلال هو الزوال.
أحداث الفيلم
ومن أحداث الفيلم التي يسردها مخرجه، أنه خلال مشاركة الجنديين في المعركة استشهد اثنان من زملائهما، ودفناهما في كهف قريب من المعركة وتعاهدا على زيارة قبر زملائهم الشهداء في كل عام، والمبيت داخل الكهف ليلة واحدة.
وانتهت معركة الكرامة بانتصار الجيش الأردني والمقاومين على الاحتلال، لكن مع مرور الزمن شهد الجنديان محطات سياسية مختلفة من اتفاقات كامب ديفيد، ثم أوسلو ووادي عربة مرورًا بحرب الخليج واحتلال العراق.
وفي ظل هذه الأحداث بات سليم يتوهم بأن التطبيع "ضرورة"، بينما سليمان على العكس منه، فلم يعجبه الحال الذي وصل إليه زميله في المعركة وما ينادي به من سياسة تطبيع عبر شاشات الإعلام. يتابع غزال: "حاول سليمان اللقاء بصديقه مرارًا وتكرارًا لإقناعه بضرورة التمسك بالمقاومة التي حققت الكثير منذ بدأت تقارع العدو الصهيوني وتنزع عنه أكاذيب الجيش الذي لا يقهر".
لكن سليم لم يسمع منه، فالوهم قد طغى على حياته، مما دفع سليمان إلى خطف زميله واقتياده إلى الكهف الذي دفنا فيه زميلهما في المعركة ليعود به إلى الواقع والحقيقة، وهناك بدأت الأحلام تتراءى لسليم المطبع، وشاهد الشهداء يخرجون من قبورهم على وقع أغنية ترفض التطبيع.
حينئذ تستحوذ الأغنية على وجدانه ويقتنع في النهاية بأن التطبيع ليس إلا عبثًا ويتسبب بخسارة أخلاقية فادحة، وأن شواهد النصر تبقى منتصبة كالقناديل وهي تحيي حكايات النصر في عتمة ما أرخته ما توصف بـ"الواقعية السياسية المضللة" من ظلام.
ويبين المخرج الأردني أن الفيلم تناول بعض الإسقاطات التي تقع فيها المجتمعات بسبب خطورة التطبيع، والتغيير الذي طرأ على المناهج الدراسية من حذف لبعض الدروس التي تتناول مواضيع المقاومة.
ويرى أن توقيت هذا الفيلم جاء في خضم ما يحدث في السينما العربية من بعض المحاولات لدس التطبيع على الشاشة.
ويضيف غزال: "أردنا أن نقول لكل من سار في عملية التطبيع أن من استطاع الانتصار في معركة الكرامة قادر على الانتصار مرة أخرى عندما يمتلك هذا القرار للسير في طريق التحرير".
ويؤكد أن الفن رسالة في ظل التحدي المباشر للقيم والعادات، ومطلوب أن يكون هناك منتج منظم لمواجهة منظومة كاملة يقودها الغرب في هذا الصدد.
ويشير إلى أنه ضمن ظروفهم المالية جاء فيلم كرامة كلبنة وباكورة أعمال مشابهة، لمواجهة "حرب فكرية" تُشن عبر أفلام أخرى تفرض على المشاهد لقطات وأفكارًا على أساس أنها طبيعية للتطبيع على عادات (إسرائيل)، مردفًا: "من هنا جاء فيلم كرامة ليقول نحن موجودين بثقافتنا".
ويتطلع غزال إلى أن يكون للفيلم مشاركات في العديد من المهرجانات والمسابقات الدولية، وأن يعرض في دور السينما بالأردن والدول العربية، كونه يؤمن بأن رسالته ينسجم مع كل المجتمعات العربية.
ويتطرق الفيلم لكل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية بفعل التطبيع، وكيف أنه عجز أمام الذاكرة النضالية التي عملت على إيقاظ الروح النضالية باتجاه المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، عادًّا هذا العمل "جزءًا من المقاومة الثقافية للمشروع الصهيوني غير المستقر".
ويعتقد المخرج الأردني أن الأعمال الفنية المناقضة للتطبيع قليلة مقارنة بتلك التي تروج له، قائلًا: إن ذلك "يعود لسببين، الأول أن الأعمال التي تروج للتطبيع تجد دعمًا من أكثر من جهة داخلية وخارجية، بينما الأعمال التي تعمل على مقاومته فلا تجد الدعم وإنما الملاحقة والمتابعة لأنها تخالف التوجه الرسمي، والثاني عدم وجود عمل مؤسسي يعمل على إنتاج أعمال فنية تخدم قضايانا وتدافع عنها، لعدم شعور أصحاب رأس المال بحاجتهم إلى هذا الجانب".
"فيروسات الأعداء"
كاتب الفيلم الروائي الأردني زياد غزال فريحات يقول بدوره: إن "كرامة" هو العمل الثالث له في مقاومة التطبيع، وكان عن رواية له غير منشورة بعنوان "تحطيم العداء.. التطبيع"، وقد استغرق منه ثلاثة أشهر لإعادة صياغة الرواية وكتابة السيناريو السينمائي.
وكان العمل الأول له بعنوان مسرحية تحطيم العداء التي شهدت عدة عروض قبل أكثر من 20 عاما قبل أن تُمنع أمنيًّا، والعمل الثاني كان قصة للفتيان بعنوان: "غابة النهر العذب"، التي تناولت مقاومة التطبيع، حسبما يقول فريحات لصحيفة فلسطين.
وجاءت كتابة الرواية كجزء من عمله في الدعوة والسياسة لمقاومة التطبيع، مشيرًا إلى أهمية تلك الأعمال الفنية والدرامية وخصوصًا الفيلم السينمائى فهو من أكثر الوسائل تأثيرًا في عاطفة الإنسان وأفكاره وتصوراته، خاصة إذا كانت تنسجم مع معتقداته ونظرته في الحياة.
وكان فريحات أخبر المخرج برغبته بعرض الفيلم في غزة، ورد عليه بأنه شرف له، ولكن عليهما البحث عن جهة تتبنى الفيلم لعرضه في الضفة الغربية وغزة.
ويسعى للتحضير لفيلم سينمائي آخر يصب في تعزيز مناعة الأمة لمقاومة ما وصفه بـ"فيروسات الأعداء" ومحاولة استهداف الوعي المجتمعي.
وشارك في عرض الفيلم نخبة من الفنانين الأردنيين، وهو من بطولة أحمد عياش، ويوسف كيوان، وإنتاج الشركة الأردنية بلو لايت فلم.