لم يكتفِ الصهاينة بما حققوه حتى اليوم من الاستيلاء على الأرض، وإقامة دولة معترف بها، لها علاقات دبلوماسية، ولها علاقات تطبيع مع عدة أنظمة عربية، لم يكتفِ الصهاينة بكل ما حققوه في زمن قصير، فراحوا يفتشون اليوم عما يؤمِّن مستقبلهم، ومستقبل أجيالهم، ويوظفون لهذا الهدف الاستراتيجي اللوبي اليهودي في أمريكا، ويضغطون على عصب الأوضاع الدولية المتفجرة، للوصول إلى مآربهم، ويستغلون حالة الصراع والتفكك التي تعيشها البلاد العربية.
لقد تجسدت الأطماع الإسرائيلية في الوثيقة التي أطلقوا عليها إعلان "أورشليم" القدس، الإعلان الذي سيوقع عليها الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الاحتلال، وهذا الإعلان لا يقل خطورة على مستقبل المنطقة من إعلان بلفور، فإذا كان إعلان بلفور قد خصص أرض فلسطين للصهاينة، فإن إعلان "أورشليم" يتجاوز حدود فلسطين، ليبسط "السيادة" والهيمنة الإسرائيلية على كل المنطقة العربية، ويطلق يد الصهاينة لصياغة المنطقة وفق أطماعهم.
وأزعم أن لجوء الصهاينة إلى الحضن الأمريكي، وإصرارهم على إعلان "أورشليم" القدس، لا يعكس الأطماع الإسرائيلية فقط، وإنما يعكس الخوف الإسرائيلي من المستقبل، ويعكس حالة القلق من المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما كشفت عنه معركة سيف القدس، حيث تفاخر الريس الأمريكي جوزيف بايدن بنجاحه في الوصول إلى وقف إطلاق النار، وتقليص زمن الحرب التي كانت ستستمر لعدة أشهر، إلى 11 يوماً.
إعلان "أورشليم" القدس هو قاعدة الانطلاق في زيارة جوزيف بايدن للمنطقة، وهذا الإعلان هو الأصل في كل التحالفات والترتيبات الأمنية والسياسة والاقتصادية التي ستتحقق من خلال الزيارة، وكلها تشير إلى تشكيل حلف عدواني ضد الشعوب العربية، وضد نهضة إيران العسكرية، وضد رجال المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
الرد على الحلف الأمريكي الإسرائيلي العدواني لا يكون من خلال بيانات الشجب والإدانة، الرد يكون بتعزيز التحالف العربي الإسلامي في المنطقة، فطالما كان المستهدف من إعلان القدس هو نهضة الأمة الإسلامية، فالرد يكون بالتحالف مع كل القوى الرافضة للهزيمة والتبعية، وعلى رأس هذه الدول إيران، ويكفي الاستشهاد في هذا المقام بما قاله رئيس وزراء (إسرائيل) السابق، الذي اشترط تصفية أذرع المقاومة في غزة ولبنان بقطع رأس الأخطبوط في طهران.
حلف المقاومة للأطماع الإسرائيلية والأمريكية سيكبر في الأيام القادمة، وستعززه زيارة الرئيس الروسي بوتين لإيران، واللقاءات التي سيشارك فيها الرئيس التركي أردوغان، وفي ذلك إشارة إقليمية ودولية إلى رفض الحلف الإبراهيمي الذي تشكله أمريكا و(إسرائيل) في المنطقة، وإشارة إلى تحالفات جديدة قيد التشكل، وترفض أن تظل مرتبطة بذيل السياسة الأمريكية الاستبدادية.
زيارة جو بايدن لـ (إسرائيل)، واعترافه بصهيونيته التي تتفوق على صهيونية عن رئيس وزراء (إسرائيل)، هذه الزيارة تؤكد أن أمريكا هي الحليف الأوثق للعدو الإسرائيلي، وأمريكا هي العدو الأول للشعوب العربية، وإذا نجحت الأنظمة الدكتاتورية في قمع إرادة الشعوب، وسجن صوتها المعارض، فالأيام والليالي تحمل المفاجآت، وكما سقط حلف بغداد يوماً، وكما سقط حلف الضاحية، سيسقط بإرادة الشعوب إعلان "أورشليم"، لتظل القدس تشهد أن لا إله إلا الله، وأن المسجد الأقصى أرض إسلامية، ترفض الشراكة، وتأبى الانكسار.