تبدأ فاطمة علاونة يومها بتفقد من تبقى من أبنائها وبناتها، والاطمئنان عليهم، بعد أن غيَّبت نيران جيش الاحتلال اثنين منهم يحملان الاسم نفسه (كامل)، بفارق زمني بينهما مدته 19 سنة، تجرعت خلالها ألم الفقد والحرمان بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ويزداد ألم الفقد عند علاونة (55 عامًا) مع حلول عيد الأضحى، بعد أيام قليلة من استشهاد نجلها كامل، الطالب في الثانوية العامة في مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، يوم الأحد الماضي.
وفي يونيو/ حزيران 2003، فقدت علاونة أول أبنائها واسمه كامل أيضًا.
تعيش الأم ظروفا لا يمكن وصفها، خاصة مع حلول عيد الأضحى، كما تقول، فطيلة السنوات الماضية اعتادت على قضاء الأعياد دون كاملٍ واحدٍ، لكنها الآن أصبحت دون الكامليْن.
وعلى الرغم من ذلك تبدو علاونة صابرة محتسبة ابنيها شهيدين في عليين.
ونجلاها الاثنان اللذان يحملان الاسم نفسه استشهدا في مكانيْن مختلفيْن؛ الأول بنيران جيش الاحتلال بباقة الغربية في الداخل المحتل، والآخر خلال مواجهات اندلعت في قرية جبع بجنين.
وتستغرب بشدة قمع قوات الاحتلال واستهداف الأطفال والشبان بالرصاص الحي والمتفجر أيضًا.
وقالت لصحيفة "فلسطين"، إن نجلها الطالب في الثانوية العامة واجه هو وأصدقاؤه وشبان من جيلهم قوات الاحتلال المتوغلة في جنين بإلقاء الحجارة، فرد الجنود عليهم بالرصاص الحي.
وأصابت كامل رصاصةٌ إسرائيليةٌ في البطن واخترقت الخاصرة اليمنى، قبل أن تخرج من جسده، ولم يسعف الأطباء ومحاولات علاجه حالة كامل الذي تعرض لنزيف حاد وتهتك شديد في الكبد والأمعاء.
ليس ذلك فحسب، بل إن رصاصة متفجرة أصابت يده اليمنى وسببت تهتكًا شديدًا في مِفْصل الكوع.
ولم تتوقع عائلة علاونة أن تفقد كامل بهذه الطريقة والسرعة، فهو كان على موعد لإتمام اختبارات الثانوية العامة، استعداداً لدخول مرحلة الجامعة، كما كان يقول لوالدته: إنه يريد أن يحمل شهادة جامعية تؤهله للعمل والعيش حياة كريمة.
لكن جنود الاحتلال حالوا دون تحقيق حلمه وقتلوه، وكأن الحلم أصبح محرمًا على الفلسطيني.
وأضافت والدة الشهيدين أن كامل لم يرتكب ذنبًا، "لقد أراد التعبير عن حالة الغضب التي تهيمن عليه منذ سنوات من الاحتلال الذي قتل شقيقه الذي يحمله اسمه نفسه، قبل أن يبصر هو الحياة".
وتحتفظ الأم بذكريات جميلة مع نجليها الكامليْن، خاصة الذي استشهد قبل أيام، لقد كانت ترى فيه شقيقه الذي سبق وأن قتله جنود الاحتلال برصاصهم، واحتفظوا بجثته لسنوات طويلة قبل أن يفرجوا عنه بعد 10 سنوات، وتحديدًا في 2013.
وتقول إنها لن تنسى أجمل أيام قضتها في تربيتهم حتى كبروا وأصبحوا شبانًا لتأتي قوات الاحتلال وتغيِّبهم دون رجعة، تاركين خلفهم ذكريات لن يمحوها مرور الأيام.
وفي كل عيد كان كامل الثاني يحرص على شراء الملابس ومعايدة والده عبد الله علاونة ووالدته فاطمة وأشقائه الأربعة وشقيقتيه، لكن هذا العيد سيأتي لينكأ جراح غياب الكامليْن.
ووالد الشهيديْن، عبد الله كامل علاونة (68 عامًا) محرر أمضى أكثر من 12 سنة في سجون الاحتلال، وكان مقاوماً للاحتلال في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
ولا تكفُّ والدة الشهيديْن عن التحديق في صور نجليها لساعات طويلة، وهي تدعو لهما على الدوام، وتدرك جيدًا أن استشهادهما كان ضريبة الحرية التي يبحث عنها الشعب الفلسطيني للخلاص من الاحتلال.
وقد شيعت الشهيدَ كامل جماهير غفيرة الأحد الماضي، هيمن عليها الغضب وهي تهتف: "يا شهيد ارتاح ارتاح، واحنا نواصل الكفاح" و"يا أم الشهيد نيالك.. كل الشباب أولادك".
ورفع استشهاد كامل علاونة ومن بعده رفيق غنام، عدد الشهداء الذي ارتقوا بنيران جيش الاحتلال في جنين وحدها، إلى 29 شهيدًا منذ بداية 2022، وفق تقارير محلية.