شاركت غزة العزة شعب الجزائر المليون شهيد في احتفالات ذكرى انتصار الثورة الجزائرية بتلبية "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي يُمثل مشروع المقاومة الفلسطينية، دعوة الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون"، فشخصية هنية اليوم حملت في طياتها دلالات عديدة وتساؤلات هامة أبرزها سبب الحضور في المقدمة. هنية قد لا يمثل رئيسًا ولا حكومة، لكنه يمثل قضية مركزية عززت صمود شعبنا وتحشد له المزيد من الدعم والتعاطف الدولي، ويمثل مقاومة مشروعة أبية خاضت معارك ضروسًا وواجهت أعتى القوى العسكرية وضربتها بمقتل في عقر دارها، ودونت المقولة الشهيرة في وسائل الإعلام الدولية: "نأسف لقد قُصفت تل أبيب"، هنية يمثل مشروعًا بارزًا جعله يتنصب شرف مقدمة حفل الجزائر 60، الأمر الذي لم يحظَ به المشاركون من الزعماء والرؤساء وغيرهم، فإن الحضور السياسي والدبلوماسي لحماس هو فتح الباب لمناصرة شعبنا في نضاله وكفاحه ضد الاحتلال الصهيوني للدفاع عن المقدسات كعنوان واضح، للحفاظ على سيادة القضية الفلسطينية والثوابت الوطنية، هنية شارك مؤخرًا في زيارات دولية وإقليمية عديدة أهمها إيران وتركيا وموريتانيا والمغرب ولبنان وأخيرًا الجزائر هدفت جميعها للتحرك الواسع والتضامن الكبير بتصدير موقف المقاومة وحاضنتها الإقليمية، أما عن الحضور بمقدمة الاحتفالات بذكرى انتصار الثورة الجزائرية فكان رسالة إسناد من الجزائر للمقاومة الفلسطينية بالدعم المستمر والانفتاح الدبلوماسي، والرد على تهديد كيان الاحتلال الصهيوني للجزائر في ظل موقفها الثابت بعدم خضوعها لحلف الناتو العربي حول أزمة التطبيع مع الاحتلال، خصوصًا أن الجزائر عانت الاستعمار الفرنسي وقدمت الشهداء في سبيل الاستقلال والتحرر من عبودية الاحتلال، وتؤمن جيدًا بالمقاومة في نيل تحريرها للأقصى والأسرى نيابة عن الأمة العربية والإسلامية.
أظهرت وسائل الإعلام على هامش دعوة الاحتفالات الجزائرية لقاء الرئيس الجزائري يتوسط بين وفد «المقاومـــة» ووفد «المفاوضــات» حول ملف المصالحة الفلسطينية التي لم تُجدِ تقدمًا على مدى 15 عامًا من توحد شقي الوطن وتشتيت القضية نتيجة اختلاف الأفق الإستراتيجي لكلا المسارين، فمسار المقاومة مفتوح على الدوام بكل قواه المعنوية والروحية التي تأبى الظلم وترفضه أيًا كان مصدره، وتكافح من أجل نيل حقوقها بكل أشكال الكفاح الوطني بما في ذلك الكفاح الشعبي والمسلح، وهذا هو سر اتساع دائرة التأييد للشعب الفلسطيني ومقاومته عبر العالم، وهذا المسار المقاوم مفتوح أيضًا على «الشرعية الدولية» التي تعطي للشعوب المحتلة حق مقاومة الاحتلال بكل وسيلة ممكنة، وبالقوة المسلحة حتى تنال حريتها وتحقق استقلالها كاملًا غير منقوص وفق ما نص عليه القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
أمّا مسار المفاوضات في ظل الاحتلال، فهو مسار مغلق ومحكوم بموازين القوة المادية المختلة على الأرض، وهذه الموازين تكون دائمًا في صالح الاحتلال، وهو مسار محكوم عليه بالفشل، ولم يشهد تاريخ حركات التحرر الوطني مرة واحدة أن «المفاوضات» وحدها أدت إلى الاستقلال أو زوال الاحتلال، ومسار المفاوضات في قضايا التحرر الوطني يحول جولات التفاوض إلى عمل عبثي، وهو ما آلت إليه مفاوضات «عملية السلام» منذ أوسلو في التسعينيات إلى اليوم.
في الختام.. فإن تلبية حماس لدعوة الجزائر تمثل استجابة سياسية تنبع عن أصالة الشعب الفلسطيني ومشروع المقاومة كما أنها تعد زيارة مهمة من إذ الأبعاد، والتوقيت، والدلالات، وهي بمنزلة نقطة تحول مهمة عن طريق حالة التناغم والتنسيق المشترك مع كل الدول المساندة للقضية الفلسطينية للمحافظة على إستراتيجية تجلب الدعم للقضية الفلسطينية ومقاومتها، وتقطع الطريق على الاحتلال الصهيوني ومخططاته في المنطقة، فكما يُقال دائمًا، الأحداث تُخفي كثيرًا من المفاجآت، لذلك لا أستبعد تطور شكل العلاقات العربية بحركة "حماس" في المستقبل القريب بصورة أكبر، فالعلاقة الذي بدأت في حدود العلاقات الطبيعية، يمكن لها أن تتطور في أي لحظة نحو علاقات المصالح الإستراتيجية المشتركة، وربما يكون هناك تبلور لتشكيل حلف القدس الذي يدعم زوال الكيان المغتصب لأرض فلسطين على مدى 7 عقود مقابل حلف التطبيع القائم مؤخرًا على الخذلان العربي.