فلسطين أون لاين

تقرير "كيسان".. سجن كبير يعاني سكانه "ضيق الحياة"

...
جرافة عسكرية إسرائيلية في أراضي مواطنين كيسان
بيت لحم-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

"التشتت والعوز" هو الحال الذي أصبحت تعيشه عائلة يعقوب غزال من قرية كيسان قضاء بيت لحم، بعد أن هدم الاحتلال منزلين للعائلة وأخطر بهدم الثالث، ساءت الحياة الاجتماعية والاقتصادية للعائلة بشكل غير مسبوق، لكنهم عاقدون العزم على عدم ترك أرضهم لغول الاستيطان.

ويتملّك الحزن صوت غزال (55 عامًا) وهو يتحدث عن الوضع الذي آلت إليه عائلته، فقد ورثوا أرضهم في قرية "كيسان" عن أجدادهم، وهدم الاحتلال الإسرائيلي في عام 2019 بيتَين شيّدهما اثنان من أبنائه ليتزوجا فيهما.

يقول يعقوب: فاجؤونا بقرار الهدم وأمهلونا فقط تسعين ساعة وتزامن ذلك مع ما يسمى عيد العرش اليهودي، ما ضيّق علينا السبل القضائية رغم امتلاكنا الأوراق الثبوتية كافة التي تُثبت ملكيتنا للأرض.

وانعكس ذلك سلبًا على ابنَيه اللَّذَين يعيش أحدهما الآن في بيت من ألواح الصفيح "الزينقو" في أرض لوالده لا يقيه حرّ الصيف ولا برد الشتاء، في حين طلبت زوجة الثاني الانفصال بعد أن فقد المسكن، بجانب خسارة مالية باهظة تكبّدتها العائلة بقيمة نصف مليون شيقل، هي تكلفة المنزلَيْن اللّذَين هُدما ولا يزال ابناه يُسدّدان ثمنهما حتى اللحظة على شكل أقساط و"شيكات".

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك، إذ أخطرت قبل أشهر بهدم منزل ابنه الثالث "ماجد"، ومنذ وصول الإشعار الإسرائيلي تدور العائلة في المحاكم الإسرائيلية يمينًا وشمالًا دون جدوى، وتدرك أنها لن تجني خيرًا من المؤسسة الإسرائيلية.

ويقول يعقوب إنّ سلطات الاحتلال تمارس التضييق على أهل "كيسان" بهدف تهجيرهم ومصادرة أراضيهم إذ هدمت منذ السبعينيات وحتى الآن قرابة 33 منزلًا.

ومع "شبح الهدم" يعيش "ماجد" أوضاعًا حياتية صعبة في ظل قطع سلطات الاحتلال التيار الكهربائي عنه بعد وضعه على لائحة المنازل المنوي هدمها.

يقول والده: "نخشى أن تُفاجئنا جرافات الاحتلال بهدم المنزل في أيّ وقت، فنحن مستهدفون لكوننا لا نبعد عن مستوطنات الاحتلال سوى 400 متر".

ويتابع: "لم يتركوا لنا شيئًا، صادروا الأراضي التي نرعى فيها مواشينا، ويلاحقوننا في بيوتنا ويسلبوها منا، حتى إنّ أحد ضباط الاحتلال طلب مني الرحيل للأردن، هم يريدون مصادرة أرضنا".

وبجانب بيوت أهالي "كيسان" توجد كسّارتان للحجارة تابعتان للاحتلال الإسرائيلي، تُحيلان حياة أهالي القرية إلى "مأساة" بما تُسبّبانه من تلوث وأمراض، كما يُبلّغ يعقوب.

ويُوضّح أنّ الكسارتين تبعدان قرابة مئتي متر عن البيوت، "نستنشق هواءً ملوّثًا ولا نستطيع حتى نشر ملابسنا على أسطح منازلنا".

ويُعاني بيت عائلة غزال اكتظاظًا سكانيًّا إذ يعيش فيه مع ثلاثة من أبنائه المتزوجين، في حين تبقَّى لديه ثلاثة شُبّان يُفترض أن يقوم بتزويجهم لكنّ الأوضاع المادية بالغة السوء لا تُسعفه في ذلك.

منع الرعي

أما الناشط ضد الاستيطان في القرية، والطبيب أحمد غزال فيُبيّن أنّ القرية محاطة بأربع مستوطنات وكسارات للاحتلال ويبلغ عدد سكانها 800 نسمة، جُلّهم من البدو الذين يعتاشون على تربية المواشي والزراعة.

وتقع القرية إلى الجنوب الشرقي من بيت لحم على بعد 15 كيلومترًا من المدينة وهي منطقة صحراوية على حدود فلسطين مع الأردن.

وتحدُّ القرية من الجهة الشرقية مستوطنة "تقوع"، و"معاليه عاموس" من الجنوب الشرقي، ومن الجنوب الغربي مستوطنة "إيبي هناحل"، بجانب عدد من البؤر الاستيطانية الأخرى و"كسارات الحجارة"".

ويعاني أهل القرية من الغبار والحساسية وأمراض الجهاز التنفسي بسبب كسارات الاحتلال التي دمرت الثروة الحيوانية أيضًا وحولت القرية لمكرهة صحية، يُبيّن غزال.

في البداية كان الاحتلال يسمح للمزارعين بالوصول لأراضيهم المحاذية للمستوطنات لكنه حاليًّا يمنعهم من ذلك ما ضيّق عليهم مساحة الرعي والزراعة وأدى لتدهور أوضاعهم الاقتصادية، "بل إنهم يعتدون على أيّ مزارع يحاول زراعة أرضه، في حين ينتشر الاستيطان الرعوي في القرية إذ إنّ المستوطنين يعيشون في بيوت شعر ويرعون أغنامهم بحماية من قوات الاحتلال"، كما يُبيّن غزال.

وتفتقر القرية لخطوط مواصلات تصلها بالقرى والمدن الأخرى، فلا يوجد لهم طريق سوى الشارع الاستيطاني الالتفافي ما يُعرّضهم لحالات دهس من قِبل سيارات المستوطنين، خاصة أنّ كل المرافق موجودة خارج القرية كالمدارس.

خدمات التعليم والصحة

وللتغلب على تلك المشكلة أنشأ أهل القرية العام الماضي مدرسة للمرحلة الأساسية لكنها لم تسلم من شر المستوطنين الذين لم يكفُّوا منذ تلك اللحظة عن خط شعارات عنصرية عليها ويدَّعون بأنها مُقامة على أراضٍ إسرائيلية لكون أراضي القرية مُصنّفة ضمن المنطقة (ج).

وقد سلّمت إدارة جيش الاحتلال للشؤون المدنية أهالي القرية إخطارات هدم للمدرسة، وهدمتها قرابة عشر مرات إلا أنّ الأهالي أعادوا بناءها في كلّ مرة من جديد لأهميتها بالنسبة لهم، فطلبة القرية إناثًا وذكورًا يدرسون في "تقوع" التي تبعد سبعة كيلومترات عن القرية ما يجعلهم عرضة للمضايقات والاختطاف والدهس من قِبل المستوطنين، وفق غزال.

وفي القرية تعمل العيادة الصحية يومًا واحدًا في الأسبوع فقط، رغم أنّ المنطقة صحراوية وبعيدة عن مراكز المدن لكن لا يوجد فيها إسعافات ما يتطلب وقتًا طويلًا لنقل أيّ مريض لأقرب مركز صحي، بجانب الحواجز العسكرية الإسرائيلية الموجودة على بوابات المستوطنات التي تعترض طريقهم في الذهاب والإياب.

ويقول: "حتى مسجد القرية لم يسلم منهم، فهم يرفعون الأعلام الإسرائيلية على ظهره من حين لآخر (...) يحرموننا من أبسط حقوقنا في الحياة حتى الحركة في أغلب مناطق القرية ممنوعة، ومراقَبون بواسطة طائرات "الدرون" وقرابة 70% من بيوت القرية لدى أصحابها إخطارات بالهدم، حيث يُمنع بناء بيوت جديدة أو تطوير البيوت القديمة.