يروى أنه في زمن حاضر وفي عالم تقدّمت فيه حقوق الإنسان وتألقت! ارتكبت عصابة تسمّي نفسها دولة: جريمة نكراء وصبّت جام أحقادها في جسد امرأة فلسطينية مسنّة ومريضة وأسيرة، وجدت في هذه المرأة ميدان رماية وساحة حرب، أخرجوا لها كل قواتهم وكلّ قذائفهم وصواريخهم وعتادهم، قذفوها من فوّهات صلفهم وغطرستهم العاتية، ألقوا عليها كلّ بركاتهم وأتحفوها بما جادت به كلّ تجلياتهم الإنسانية العظيمة! حبسوها في أحشاء سجونهم الحديثة المتطوّرة، أحاطوها بأساليبهم القذرة التي تبدأ بالضغط النفسي المريع كون أصل الحبسة يكتنفه الظلم والإجحاف حيث كان من المفترض أن يعتقل المعتدي ولأنه مستوطن من ذات الرائحة النتنة اعتقلوا المظلوم وتركوا الظالم حرًّا طليقًا.
سعدية مطر فرج الله انتزعوها من حضن دافئ جميل يشكّله لها أبناؤها الثمانية أو قل أطفأوا النور من بيتها وجعلوه في ليلين بعد أن أصبح نهاره ليلا، لا أحد يعلم حقيقة تحوّل البيت من بيت مكتمل الأركان الا بيت لا نور فيه ولا ضياء، أن تعتقل الامّ ويبقى البيت دونها هو كنزع الروح من الجسد، تضيع البسمة من الوجوه ويسكن القلوب حزنا عميقا ومرارة قاسية، تضيق الصدور وكأن صخرة ألقيت عليها، شيء لا يكاد يصدّق . من هذا الذي يجرؤ أن يأخذ من البيت روحه؟ من هذا الذي يعتدي على قوانين الطبيعة والحياة الجميلة؟ من هذا الذي يحيل كلّ هذا الجمال الى عالم موحش مقفر؟
وكان لا بدّ من أن تتابع علاجها من أمراضها المزمنة ولكن أنّى لها ذلك في هذه الغابة التي يمسك زمام أمرها ذئاب متوحّشة، لا طبّ فيها ولا علاج، بل فيه ما يضاعف الألم ويفاقم المرض، مثل سنّها لا بدّ من أن تتابع متابعة دورية من الفحوصات وتتلقى العلاجات المناسبة، على العكس تماما خضعت لماكينة الإهمال الطبي الذي يبرمج الوصول الى الموت، يوضع المريض على سكّة تقود نهايتها إلى الدمار الصحّي والنفسي الشاملين.
لقد انضمت معزوزة الى قافلة الشهداء بعد أن أعياها المرض، استصرخت كلّ الضمائر الحية قبل أن ترحل، لم يلتفت لصرختها أحد، تركوها تنزف الألم قطرة قطرة، ابتسمت للموت لأنها ستغادر حياة لا حياة فيها، تؤمن بأن هناك الحياة الحقيقية، لا احتلال فيها ولا ظلم ولا قهر ولا استهانة بكرامة الإنسان، هناك عدل وحق ونور وسلام، هناك خلاص من قهر السجّان وظلم يهودي حاقد لا يعرف لغة البشر ولا علاقة له بروح الإنسان.
لقد اعتدوا بقتلهم لمعزوزة على كل امرأة فلسطينية، اعتدوا على كل أم فلسطينية ولدت لفلسطين بشرًا أحرارًا، لقد اعتدوا بذلك على الروح الفلسطينية والروح العربية والروح الإنسانية لكل البشرية التي تنشد الحرية والسلام، ضربوا بحقدهم كلّ القيم الإنسانية، لم يراعوا أحدًا ولم ينظروا فيما هم فاعلون من جريمة وعدوان، لم ينظروا إلا إلى قوة عضلاتهم وما لديهم من ترسانة نووية.
هل فكّروا بعاقبة جرائمهم وبأن التاريخ سرعان ما ينقلب عليهم؟ هل نظروا في التاريخ وشاهدوا كيف تشيخ الدول، والامبراطوريات ذات القوة والعراقة قد أصبحت خبرًا وسطرًا في تاريخ الظلام والهمل، قد طوتها مزابل التاريخ ولعنتها كلّ الشعوب والأمم.
يجب أن يحاكم المجرمون على جريمتهم أولًا وعلى أن تعطى الجريمة حجمها ووزنها الحقيقي ثانيًا، هذه الجريمة كبيرة تملأ السموات والأرض ويهتزّ لها عرش الرحمن، هذه الجريمة تضرب كلّ الأعصاب الحسّاسة للإنسان الفلسطيني أولًا، وللعرب ثانيًا ولكلّ حرّ شريف في هذا العالم، إنها امرأة مسنة مريضة أسيرة ماتت مقهورة مسحوقة بعد أن تجرّعت الظلم بكلّ ألوانه القاتمة والمقيتة وبعد أن صبّوا عليها سوط عذابهم بكل حقد وكراهية.