فلسطين أون لاين

تفاقم أزمة المياه في الخليل وبيت لحم.. والسلطة "لا حياة لمن تنادي"

...
صورة توضيحية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

منذ شهرين يشتكي الأهالي في محافظتي الخليل وبيت لحم من أزمة مياه "قديمة – جديدة" تؤرق حياتهم مع حلول فصل الصيف، ما دفعهم لتلبية احتياجاتهم من خلال شراء المياه وملء الصهاريج رغم ارتفاع تكلفة الكوب الواحد من خمسة شواقل إلى 13 شيكلاً للكوب حاليًا.

في منزل المهندس الزراعي إبراهيم حريبات بقرية "السكة" من ضواحي "دورا" بمحافظة الخليل، ذبل الورد الذي اشترى أصنافًا كثيرًا منه حتى تغير لون واجهة المنزل من الأخضر إلى البني أمام شح المياه، واضطراره لترشيد الاستهلاك، والتضحية بالورد إما بتركه وإما بتوزيعه على الناس مجانًا.

توزيع مرير

يقوم المجلس البلدي في الخليل بتوزيع جدول المياه، وحسب هذا الجدول فإن المياه تصل إلى قرية "السكة" مرة كل 33 يومًا، ولو أراد المواطن انتظار دوره دون تعبئة الصهاريج فهذا يحول منازل المواطنين إلى مكاره صحية، وإن جاءت المياه فإن كميتها لا تزيد على 4 أكواب لا تكفي للاستخدام ليوم أو يومين ثم يتم فصلها وتحويلها لمنطقة أخرى.

يتحدث حريبات لصحيفة "فلسطين" عن معاناته قائلا: "ليست قريتنا من تعاني فقط من الأزمة بل كل منطقة جنوب الضفة تعاني شحًا في المياه، وأصبحنا نعتمد على تعبئة الصهاريج"، مشيرًا إلى وجود استغلال، إذ كان يملأ صهريجه بسعة 10 أكواب بسعر 150 شيقلا سابقا، الآن ارتفع سعرها إلى 200 شيقل، ويتوقع وصلها إلى 250 أو أكثر.

يرى حريبات أن عدم وجود "إدارة توزيع سليمة" هي أحد أسباب الأزمة، رغم أن السبب الأساسي هو الاحتلال الذي يمنع الاستفادة من المياه الجوفية رغم أن باطن أرض المنطقة يخفي في أعماقه كنوزًا من المياه تستطيع حل الأزمة جذريًا.

"احنا مضطرين ولا خيار أمامنا إلا للتعايش مع الأزمة، ممنوع ننقب عن المياه الجوفية، فنضطر لترشيد الاستخدام لأهم الأشياء، فنغسل أجسادنا مرة في الأسبوع، وأصبح شراء المياه أمرا مرهقا" يصف حريبات صعوبة حالهم بضحكة تهكم على واقعهم المرير.

في قرية "واد أبو القمرة" وهي من ضواحي "دورا" فإن المياه تصل إلى القرية حسب المواطن حمد الزير مرة كل شهرين خلال الصيف، رغم أن اعتمادهم الأساسي على مياه البلدية التي يؤثر انقطاعها في حياة الناس فيضطرون لشراء المياه وتعبئة الصهاريج.

لم يفلت الاحتلال من التسبب بهذه الأزمة، فعمدت شركة "ميكروت" الإسرائيلية إلى قطع المياه المزودة لخط دير شَعّار، المصدر الرئيسي المغذي لمحافظة الخليل عامة وجنوبها تحديداً، ونجم عن ذلك القطع خسارة كميات كبيرة منها، بلغت ما يزيد على 40000 كوب.

ورغم أن احتياج الخليل اليومي يبلغ على الأقل 40 ألف متر مكعب من المياه، فإن متوسط ما يصلها فعليا هو 20 ألف متر مكعب يومياً، السلطة تأخذ الكمية من الاحتلال وتعيد توزيعها.

وفي وقت يرجع مسؤولون في سلطة المياه والمجالس البلدية أسباب الأزمة للاحتلال، إلا أن مصادر تتحدث عن وجود صراعات داخلية في قسم المياه ببلدية الخليل، يعلمها المجلس البلدي تؤثر في الأزمة.

عدم منح الخليل حصتها

الناشط السياسي في الخليل، صهيب زاهدة يؤكد أن أسباب الأزمة تتعلق بعدم قيام السلطة بمنح الخليل حصتها من المياه، وقيام بعض موظفي البلدية بالمحاباة بين المناطق بفتح المياه على منطقة أكثر من غيرها، وهذه القضية فتحت البلدية تحقيقا فيها بعد حدوث فضيحة بالأمر.

لكن جوهر الصراع داخل البلدية يتعلق حسبما يؤكد زاهدة لصحيفة "فلسطين" بفوز تيسير أبو سنينة برئاسة بلدية الخليل، معتقدا أن جهات في السلطة تحاول إقصاءه والانتقام منه، بعدما قامت بفصله من حركة "فتح"، بسبب مشاركته بالانتخابات القروية الجزئية الأخيرة بقائمة مستقلة.

ويؤكد زاهدة، أن أزمة المياه تؤثر في مليون مواطن ولاجئ يسكنون بمحافظتي الخليل وبيت لحم، وأثقل شراء المياه كاهلهم، مشيرا إلى وجود مشكلة خطيرة أخرى تتعلق بتلوث المياه الجوفية، بسبب عدم وجود بنية تحتية للصرف الصحي، إذ تعتمد أجزاء واسعة من المحافظة على الحفر الامتصاصية.

بيت لحم تصرخ

ليست الأزمة وحدها تتعلق بمدينة الخليل، فتتواصل أزمة المياه في بيت لحم، وسط عدم وجود حلول قريبة أو وعود جدية بحل الأزمة المتكررة، والمتفاقمة خلال الأشهر الأخيرة.

وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الأخيرة بالتعليقات الغاضبة نتيجة استمرار أزمة المياه غير المسبوقة كما يقول المواطنون، وخاصة في مناطق الخضر والدهيشة والدوحة جنوب وغرب المحافظة.

وأغلق محتجون صباح أول من أمس، طرقًا رئيسية في بلدة الخضر جنوب بيت لحم، كما تم إغلاق طرق أخرى خلال الأسبوع الماضي احتجاجا على انقطاع المياه، وعدم وصولها للكثير من المناطق منذ فترة طويلة، مهددين بإغلاق "شارع القدس الخليل" بشكل نهائي أمام حركة المركبات، وشوارع أخرى رئيسية في المحافظة.

يسكن محمود عياد في مخيم "الدهيشة"، ويقول إن سبب الأزمة عدم إعطاء المخيم الحصة المستحقة له وتحويلها إلى المدن، وهذا الشيء واضح بسبب قطع المياه عن المخيم قبل المدة المحددة وهي ستة أيام، إذ يتم فصل المياه بعد ثلاثة أيام، فالناس لا يستطيعون ملء الخزانات وتلبية احتياجاتهم من المياه خلال الأيام الثلاثة.

المشكلة الأخرى التي ينبه إليها عياد، في حديثه لصحيفة "فلسطين"، هي وجود مشكلة تتعلق في التمديدات التي تحتاج للتجديد والتغيير، مشيرا إلى أن الأزمة انعكست على حياة الناس، وسببت مشكلات بين العائلات بسبب قطع المياه عن حارات وتحويلها لحارات أخرى، وحدثت أكثر من وقفة احتجاجية لكن "لا حياة لمن تنادي".

ويؤكد عياد أن الكمية التي يتم ضخها للمخيم أقل من حاجته، كما أن البدائل محدودة وهي فقط شراء "صهاريج مياه" أو الاستعانة بالجيران إذا كان عند أحدهم مخزون زائد، المشكلة المتفاقمة أنه بعد أربعة أيام من الملء تنفد المياه، وتساءل بحرقة قلب: "تخيل دارك فش فيها مي!؟".