في غرفة ضيقة جدًّا بسجن "الدامون" تعيش ثماني أسيرات فلسطينيات إلى جانب زميلاتهن، أوضاعًا مأساوية بسبب سياسة الإهمال الطبي الممارسة بحقهن من قبل إدارة سجون الاحتلال، ما يجعلهن عرضة للموت والالتحاق بالشهيدتين الأسيرتين "سعدية فرج الله، وفاطمة طقاقطة".
وتتعمد إدارة سجون الاحتلال ممارسة سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى والأسيرات داخل سجونها، في مخالفة واضحة وصريحة لكل الاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية المتعلقة بحقهن في تلقي العلاج وتوفير الرعاية الصحية الكاملة.
وأدى سوء الإهمال الطبي الذي تمارسه إدارة السجون بحق الأسيرات إلى استشهاد الأسيرة المسنة سعدية فرج الله، صباح أمس، سبقها الجريحة فاطمة طقاطقة (16 عامًا) في مايو من عام 2017 بعد شهرين من اعتقالها عقب إطلاق النار عليها على مفرق "عتصيون".
ووفقًا لإحصائية نشرها نادي الأسير، في مايو/ أيار الماضي، فإن سلطات الاحتلال تعتقل 30 أسيرة في سجن "الدامون" يعانين ظروفًا صعبة.
تجارب طبية
ولسوء الرعاية الطبية ومواصلة سياسة الإهمال الطبي بحق الأسير والأسيرات، حذرت المحررة نسرين أبو كميل، من استشهاد الأسيرات المريضات داخل السجن.
وبينت أبو كميل لصحيفة "فلسطين" أن الأسيرات المريضات يعانين أوضاعًا سيئة جدًّا من جراء إصابتهن بأمراض مزمنة كضغط الدم والسكري، والأزمة القلبية وتورم الأرجل.
وحملت الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسيرات، مشيرةً إلى أن إدارة السجن لا تقدم إلا المسكنات الطبية للمريضات، وتتأخر في نقل المريضات إلى المستشفى "وربما يطول الأمر لأشهر"، مؤكدة أن الاحتلال يقدم أدوية خاطئة للأسيرات "ربما يحاول تجربة عقاقير معينة علينا".
وقالت أبو كميل: "كان الاحتلال يزودني بدواء خاطئ، لحساسية الصدر، وكان وزني وقتها في ارتفاع مستمر إلى أن وصل إلى 111 كيلوغرامًا داخل السجن، وعند الإفراج عني والتوقف عن تناول الدواء انخفض وزني لـ80 كيلوغرامًا، ما يؤكد أن الاحتلال كان يجري تجارب صحية على أجساد المرضى".
وأضافت: "أقول دائمًا لأولادي لو أني بقيت في السجن عامين، ربما لفقدت حياتي، بسبب الإهمال الطبي والأدوية غير المعروفة التي كانت تقدمها لي إدارة السجن للتخفيف من آلامي".
وأشارت إلى أن استشهاد الأسيرة "سعدية" جاء بسبب الإهمال الطبي الذي مورس بحقها، لافتة إلى أن الاحتلال سيتكتم على ظروف استشهادها ويمنع وصول المحامين والالتقاء بالأسيرات إلا بعد أن يفبرك روايته حول ظروف الاستشهاد.
ودعت أبو كميل، كل المؤسسات الطبية والحقوقية والإنسانية للاطلاع على أوضاع الأسيرات الصحية وإجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية التي تظهر أوضاع الأسيرات والأدوية التي يتلقينها.
إهمال طبي
حالة من الحزن الشديد سيطرت على المحررة سناء الحافي، التي صدمت باستشهاد الأسيرة "فرج الله"، متوقعة أن يكون السبب وراء استشهادها الإهمال الطبي والتأخر في نقلها إلى المستشفى.
وقالت الحافي لصحيفة "فلسطين": تنتظر الأسيرات أيامًا ليُنقلن لعيادة السجن ولأشهر لنقلهن إلى المستشفيات، مؤكدة أن الأسيرة تبقى طوال تلك الفترة تعيش تحت رحمة المسكنات الطبية، وتخفي آلامها عن زميلاتها الأسيرات.
وأضافت: إن إهمال إدارة السجن، لأوضاع الأسيرات وتأخر نقلهن إلى المستشفى في الوقت المحدد، يفاقم معاناة الأسيرات صحيًا، ويعرضهن للاستشهاد في أي لحظة، معربة عن خشيتها من ارتقاء الأسيرات المريضات داخل السجون؛ لعدم توفير احتياجاتهن من الأدوية والرعاية الصحية.
وأكدت أن إدارة السجون قدمت لها علاجًا خطأ في أثناء اعتقالها بسبب معاناتها من آلام في الرقبة، ما عرضها للإصابة بتشنجات استمرت لأشهر "وعندما أوقفت العلاج انتهت التشنجات".
شهيدات الحركة
من جهتها، أكدت الناطقة الإعلامية باسم مركز فلسطين لدراسات الأسرى أمينة الطويل، أن ارتقاء الأسيرة "فرج الله" يرفع عدد شهيدات الحركة الأسيرة إلى اثنتين.
وقالت الطويل لصحيفة "فلسطين": إن الشهيدة الأولى هي الأسيرة الجريحة فاطمة طقاطقة (16 عامًا) من سكان بيت لحم، استشهدت في مايو من عام 2017 بعد شهرين من اعتقالها عقب إطلاق النار عليها على مفرق "عتصيون".
وأضافت أن الاحتلال لا يألو جهدًا في إيقاع أشد الضرر بالأسرى والأسيرات داخل السجون، مشيرة إلى أن ما تعيشه الأسيرات من ظروف مأساوية وصعبة تنطبق أيضاً على الأسرى.
وأوضحت الطويل أن سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارة السجون بحق الأسرى والأسيرات المريضات هدفها قتلهم بطرق غير مباشرة، مضيفة: "فالاحتلال يريد تصفية الأسير جسديًا أو معنويًا".
ظروف مأساوية
وقال الناطق باسم وزارة شؤون الأسرى والمحررين إسلام عبده: إن الأسيرات يعشن ظروفًا مأساوية وصعبة في سجن "الدامون"، وما تمارسه إدارة السجون على الأسرى من تحقيق وتعذيب يطبق على الأسيرات دون أي مراعاة أو خصوصية للمرأة.
وأكد عبده لصحيفة "فلسطين"، أن استشهاد الأسيرة فرج الله، يؤكد مجددًا استمرار حالة الإهمال الطبي والتأخر في إجراء الفحوصات وتقديم العلاج والرعاية الصحية لها، علاوةً على ظروف وبيئة السجن التي تسرع في زرع المرض وانتشاره في أجساد الأسرى والأسيرات.
وأضاف عبده: أن أوضاع الأسيرات مأساوية، والدليل على ذلك حالة الأسيرة الجريحة إسراء الجعابيص التي بحاجة ماسة إلى سلسلة عمليات جراحية، وقد تنصلت إدارة سجون الاحتلال من تكاليف علاجها.
وتابع: إن الأسيرات يتعرضن لاستهداف مباشر وجرائم، والدلائل على ذلك كثيرة، محملًا إدارة سجون الاحتلال المسؤولية الكاملة عن نتائج جريمة الإهمال الطبي التي طالت الأسيرات ولم تستثنِ أحدًا منهن.