لقد مرت ثماني سنوات على الذين أعيد اعتقالهم من عتقاء صفقة وفاء الأحرار، هذا معروف، أما الذي لم نعرفه حق المعرفة فهو حجم الألم والقهر والمر والعلقم الذي تجرعه هؤلاء الأحرار وأهلهم وأبناؤهم وذووهم في هذه السنوات القاسية العجاف! فالأمر يختلف عن سنوات السجن العادية لأنها جاءت لاعتبارات ظالمة تعبر عن غطرسة قادة الاحتلال وعنجهيته وصلفه الذي لا يوصف، في ضرب اتفاقية الإفراج ومن قام برعايتها وكان وسيطًا لها عرض الحائط دونما أي اعتبار أو حسبان.
لا نتحدث عن ثمانية أيام أو ثمانية شهور، لقد طالت كثيرًا لتصل إلى ثماني سنوات وأصحاب القضية يترقبون ويقبضون على آلامهم كالقابض على الجمر، فلا يوجد في الحياة ألم كألم المعتقل الذي يُزج به في السجن ظلمًا وزورًا ودون أن يكون هناك ما يسوغ وجوده في السجن، خاصة أنهم تنسموا عبير الحرية بعد سنوات طويلة قضوها وبعد أن كانت المؤبدات تثقل كواهلهم، فجاءت الصفقة ليجدوا أنفسهم أحرارًا، منهم من تزوج وأنجب أطفالًا ومنهم من عادت له الحياة من جديد، ثم ما لبثوا أن أعيدوا إلى السجن بكل قسوة وفظاظة، نزعوهم من حياتهم من حيث لا يتوقعون وعادوا من نعيم الحياة ودفء العائلة إلى حديد السجن وجدرانه الشامتة. عادوا للعدد الصباحي والمسائي وللتفتيش العاري وتنقلات السجون التعسفية المقيتة، عادوا إلى حركة الدائرة المغلقة من الزنزانة إلى الفورة (ساحة السجن) وفي الفورة الحركة الدائرة التي يبدو فيها المعتقل كالبرغي الذي انمحت سنه، يدور مكانه دون جدوى يحققها، عادوا إلى الفطور ذي البيضة الواحدة صباحا ولقيمات الفول صباحا آخر، عادوا إلى العيادة وعذاباتها وحيث إن جلهم من متقدمي السن ويحتاجون إلى الرعاية الصحية الدائمة، لقد عادوا من العالم الواسع الفسيح الذي وقفوا على عتباته ولم يدخلوه جيدا بل أدخلوهم السجن عنوة ليتجرعوا عذاباته بصمت مريع.
وعن السؤال من الذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى؟ هم بكل تأكيد الحكومة المصرية لأنهم كانوا الطرف الأساس الراعي للصفقة، وهذه الرعاية أصلا تقوم من أجل تشكيل حماية وكفالة للاتفاق، فعندما ينتهك أحد الأطراف الاتفاق على الراعي التحرك بكل ما هو مطلوب لإلزام من نقض الاتفاق وتجاوز حده أن يعود عن تجاوزه، ثم يأتي دور من يحرك المسألة في الإعلام والشارع كي يشكل هذا ضغطا على الراعي فيتحرك لمطالبة سلطات الاحتلال بالتزام نص الاتفاق والإفراج الفوري عنهم.
لقد تحرك بعض الأسرى الذين أعيد اعتقالهم بتفعيل ملفاتهم في المحاكم الإسرائيلية وتابعوها من خلال محامين أكفاء وذوي خبرة واسعة في المحاكم الإسرائيلية ولم يجدِ ذلك نفعًا، إذ اصطدموا بصخرة العنت الإسرائيلي والاعتبارات الانتقامية التي لا حدود لها.
ثماني سنوات مدة زمنية طويلة وقد تطول أكثر من ذلك إن لم نتحرك ونفعل المطلوب، فمنهم من غزا الشيب رأسه وأصبح متقدما في السن، وهناك من سكنه المرض وهناك من لم يعِش طفولة ولده الذي أتاه بعد حبسته الطويلة، لقد دقت ساعة الحياة وتسارعت عقاربها ولم يعد هناك المزيد من الوقت، لقد آن لهؤلاء الأحرار أن يتنسموا عبير الحرية دون أن يروا شماتة سجان وبعيدا عن رائحة أحقادهم النتنة.