عدت لجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير لها أن احتلال (إسرائيل) للأراضي الفلسطينية والتمييز ضد الفلسطينيين هما «السببان الجذريان» للتوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع في المنطقة.
وأشادت السلطة الفلسطينية بالتقرير ودعت إلى «ضمان مساءلة دولة الاحتلال على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يضع حدا لإفلات (إسرائيل) من العقاب». وأشادت العديد من المؤسسات الحقوقية والقانونية بالتقرير، ودعت إلى محاسبة قادة (إسرائيل) على «جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الشعب الفلسطيني».
وزعمت حكومة الاحتلال الصهيوني التي رفضت التعاون مع اللجنة أن «التقرير منحاز ومضلل وغير مؤهل بسبب كراهيته لدولة الاحتلال «، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية، كما وصفت التقرير بأنه «إهدار للمال والجهد». وقاطعت (إسرائيل) التحقيق واتهمته بالانحياز ومنعت دخول المحققين المشاركين فيه.
وكتبت نافي بيلاي -رئيسة اللجنة والمفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان- في تقريرها أن «النتائج والتوصيات الخاصة بالأسباب الجذرية توجهت بأغلبيتها إلى (إسرائيل)، وهذا مؤشر على الطبيعة غير المتكافئة للنزاع وواقع دولة محتلة لدولة أخرى».
وقال عضو لجنة التحقيق ميلون كوثاري «يشير استعراضنا لنتائج وتوصيات آليات وهيئات الأمم المتحدة السابقة بوضوح إلى أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي تماشيًا مع قرارات مجلس الأمن بشكل كامل، أساسي لوقف دوامات العنف المتكررة». وأشار التقرير إلى أن الوثيقة التي تضم 18 صفحة عُرضت قبل نشرها على السلطات الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي. وتتهم (تل أبيب) نافي بيلاي بأنها «ناشطة مناهضة لـ(إسرائيل)».
وأنشأ مجلس حقوق الإنسان لجنة التحقيق الأممية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 13 أبريل/نيسان 2021.
بدورها، أكدت الولايات المتحدة، الحليف القوي لـ(إسرائيل)، والتي عادت إلى المجلس في عهد الرئيس جو بايدن بعد انسحابها منه خلال عهد دونالد ترامب، أنها «تعارض بشدة» تقرير اللجنة التي اعتبرتها «منحازة». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكي نيد برايس في بيان إن «وجود لجنة التحقيق في شكلها الحالي هو استمرار لنمط طويل الأمد يستهدف (إسرائيل) بشكل غير عادل».
وأنشئت اللجنة عقب العدوان الذي شنته (إسرائيل) في مايو/أيار 2021 واستمر 11 يوما، وتسبب القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي على قطاع غزة باستشهاد 260 شخصا، وفق السلطات في القطاع. بينما قتل 13 مستوطنا في الجانب الإسرائيلي بصواريخ أطلقت من القطاع، وفق شرطة الاحتلال.
وفي الوقت الراهن، قيمت اللجنة العديد من التوصيات والقرارات الموجودة بالفعل، لكنها أشارت إلى ضرورة إجراء تحقيقها الخاص. إلا أن بيلاي قالت إن التوصيات السابقة «لم تنفذ". مضيفة: «يكمن عدم تنفيذ التوصيات بالإضافة إلى بيئة الإفلات من العقاب، وهما دليلان قاطعان أن (إسرائيل) لا تنوي إنهاء الاحتلال، بالإضافة إلى التمييز المستمر ضد الفلسطينيين في صلب تكرار الانتهاكات الممنهج في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك شرقي القدس، وفي (إسرائيل)».
ويذكر أن رفض (إسرائيل) للتقرير ودعم أمريكا لـ(إسرائيل) لن يكون الأول و الأخير وإنما هو نتاج التعامل الدولي بسياسة الكيل بمكيالين فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد سبق وأن رفضت (إسرائيل) القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني تقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون، الذي يتهم جيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب أثناء عدوانه على قطاع غزة بداية العام2009 .
وأدانت (إسرائيل) تصويت الجمعية العامة على قرار يتبنى تقرير غولدستون وزعمت في حينه وزارة خارجية الاحتلال قرار الجمعية العامة «مجانبا للحقائق».
وقد صادقت الجمعية العامة 2009 على قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كان قد تبنى بموجبه تقرير غولدستون وأحاله عليها. وصوتت الجمعية بقبول القرار بأغلبية 114 صوتا ورفض 18 وامتناع 44 عن التصويت.
وصوتت الدول العربية ومجموعة عدم الانحياز لصالح القرار، في حين عارضته أطراف من بينها الولايات المتحدة و(إسرائيل) وكندا وأستراليا ودول من أوروبا الشرقية، أما روسيا فكانت بين الدول التي امتنعت عن التصويت.
ويطلب القرار في فقرته السادسة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مراقبة تطبيق القرار، ورفع تقرير إلى الجمعية العامة في هذا الشأن خلال ثلاثة أشهر.ولكن التقرير بقي حبرا على ورق، وسبق لمجلس النواب الأمريكي في حينه أن صوت بأغلبية كبيرة على مشروع قرار غير ملزم يطالب الرئيس باراك أوباما في حينه بالحيلولة دون مناقشة التقرير في أي محفل دولي لأنه «متحيز بصورة صارخة ضد (إسرائيل)»، ما يدعم موقف البيت الأبيض الذي يرى أن التقرير غير متوازن وغير مقبول أساسا. وأكد القرار دعم الحكومة الأميركية لـ(إسرائيل) باعتبارها «دولة يهودية ديمقراطية، ودعم أمنها وحقها في الدفاع عن نفسها». هذه المواقف هي التي تحول دون معاقبة (إسرائيل) وتماديها في العدوان على الشعب الفلسطيني واستمرار احتلالها، ما يؤكد عدم تغير يذكر في موقف حكومة بايدن إدانة إدارته للقرار الأممي الجديد.