بعيدًا عن زيادة التوتير وتعزيز كهربة الأمور، البضاعة التي لا يحتاج إليها شعبنا أبدًا إذ يكفيه ما يقوم به الاحتلال من قهر وضغط نفسي واستبداد وتوحّش على كلّ مفاصل حياتنا، الإنسان والأرض والمقدّسات والمعابر والمياه وكلّ مفاصل الاقتصاد والاستيراد والتصدير وكلّ الحريات وحقوق الإنسان التي ينتهكها شرّ انتهاك .. الخ. إذ يكفينا أذى الاحتلال ولا داعي لأن يؤذي بعضنا بعضًا. وهذا من بديهيات الأمور لشعب يرزخ تحت الاحتلال أو الاستعمار.
بكل تأكيد فإن ما جرى وما شاهدناه في جامعة النجاح يخالف كليا روح الجامعة ورؤيتها التعليمية وفلسفتها التربوية ورسالتها وقيمها وكذلك تاريخ الجامعة العريق وما أنجزته في الواقع الفلسطيني على مرّ تاريخها، لذلك فلنحذر تعميم الخلل وصبغ الجامعة به، بل لنذهب إلى المعالجة ووضع اليد على الخلل من جذوره كي نحافظ على إشراقها بعيدا عن الذين يتصرفون بما يضرّ الجامعة والذين في الأصل وظّفوا للمساهمة في رفعة الجامعة لا تدمير صورتها وتشويه معالمها الجميلة.
ثم ما لاشكّ فيه فإن أية مؤسسة فيها من يتخذ القرار ويرسم السياسات وفيها من هو قائم على تنفيذها، لذلك فالبحث عن الخلل يجب أن يشمل الجهتين، ووصول فريق أمن الجامعة إلى هذه التصرفات التي أقل ما يقال فيها ومن منطق العلاقات العامة للجامعة فإن هناك تصادمًا كبيرًا بين هذه التي تعكف على صناعة الصورة المشرقة بالفعل والقول، وفريق الأمن الذي يعمل بالاتجاه المعاكس، الفريق الأوّل مكون من الذين يصدّرون الخطاب الإعلامي والذين يعملون في التدريس والإدارة فتكتمل دائرتا الفعل والقول، فهناك من يبني الصورة الحسنة وهناك من يهدم ويدمّر هذه الصورة ويجيد صناعة ما يضرّ بمصلحة الجامعة القريبة والبعيدة، إذ تبنى الصورة بعمل تراكمي طويل بينما تنسف وتهدم بفعل سريع من الأعمال الهوجائية الخارجة من السياق المنطقي لجامعة تحترم نفسها وطلابها وحريصة على صورتها المشرقة.
هناك من ذهب للمطالبة بمعاقبة الجامعة ومقاطعتها ونبذها وهذا ضرب من الجنون إذ إن المحافظة على مؤسساتنا هي من ركائز المحافظة على الوطن، المطلوب فقط هو وضع اليد على الخلل والذهاب إلى معالجته المعالجة الجذرية التي تليق بالجامعة وما تمثّله من عراقة الماضي والمضي قدما في مستقبلها المشرق.
لقد ظهر الأمر وبات المطلوب واضحًا، هناك تغوّل للأمن وهناك من يحرّكهم بصورة فجّة ومتهوّرة لا تنظر في العواقب وإلى أين ذاهبة بالجامعة أبدًا، لا بدّ من أن تتخذ القرارات من مجلس أمناء الجامعة لتحاسب من أخطأ وتعيد الاعتبار لمن ظلم ولتعيد الجامعة إلى مسارها الصحيح.
وهنا لا بدّ وأن نذكّر برسالة الجامعة وقيمها التي تعلنها وتتبناها وتنبثق منها أهدافها وأنشطتها كافّة:
جامعة النجاح الوطنية جامعة عامة، تهدف الى إعداد الكوادر البشرية المهنية المؤهّلة للقيادة، وتطويرها في ميادين الحياة جميعها، وإكساب طلبة الجامعة المعرفة العلمية المتميّزة، والمهارات الفردية التي تعزّز قدرتهم على المنافسة في الأسواق المحلية والعربية والدولية، ليكون خريج الجامعة عنصراً خلّاقاً وفاعلاً. وتهدف الجامعة أيضا إلى الإسهام الفاعل في تقدّم البحث العلمي على المستوى العالمي، وتلبية حاجات المجتمع في مجالات التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والتقنية، والإسهام في إغناء المعرفة البشرية، والحفاظ على الإرث الحضاري والديني للشعب الفلسطيني.
أين ما رأيناه من هذه الرسالة السامية؟
أمّا قيم الجامعة التي ينبغي على القائمين على أمنها وأمانها وإدارتها وتيسير أعمالها أوّل من يراعيها ترجمة حيّة وقدوة لطلابها، فهي كالاتي كما تعلن عنها الجامعة وتلزم نفسها بها:
الأصالة، المساءلة، الأخلاق، العالميـة، الانتماء، الحرية الأكاديمية، النزاهة، احترام الرأي الآخر، الشفافية، الجــودة، العدالة، الاستدامة، المصداقية، الشمولية.
بينما رؤية الجامعة فهي: تسعى جامعة النجاح الوطنية إلى أن تكون محل احترام عالمي في موضوع جودة التعليم العالي، ومركزاً ريادياً عالمياً في البحث العلمي، وقاعدة فاعلة لخدمة المجتمع و قيادته، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
فأنّى يكون ذلك أمام حالة ما رآه الناس هذه الأيام ؟!