فلسطين أون لاين

تقرير "نكشات ستي".. مشغولات من القش تزين بيتًا أثريًّا في رام الله

...
نكشات ستي
رام الله/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

أوقات طويلة تقضيها نسرين علوان في صناعة مشغولات من "قش القمح" في إحياء منها لهذا الفن التراثي الفلسطيني، والذي لاقى قبولًا من المحيطين بها حتى جهّزت متحفًا خاصًا تعرض فيه مشغولات القمح جنبًا إلى جنب مع مشغولات تراثية أخرى.

كانت البداية قبل عامَيْن حينما خطرت ببال "نسرين" فكرة إعادة إحياء المشغولات المصنوعة من القش التي كانت تشاهدها في صغرها جدتها –رحمها الله- وهي تصنعها يدويًّا، فبحثت عن مكان يضعها على بداية الطريق فالتحقت بدورة تدريبية خاصة بفن تشكيل القش.

ثم تابعت "نسرين" طريقها لتطوير عملها من خلال اللجوء لتعلم الحرفة من النساء الكبيرات في السن، حتى أتقنتها، مشيرة إلى أنّ زبائنها يتنوعون بين نساء كبيرات في السن فرحن بتوافر هذه المشغولات مجددًا في السوق ويردن استعمالها لحفظ الأطعمة والمعجنات.

وتقول: "بينما هناك زبائن من النساء صغيرات السن، يشترين هذه المنتجات ليضفنها لزوايا تراثية يقمنها في بيوتهن، في ظل وجود عودة كبيرة للتراث مؤخرًا".

وما ساهم في انتشار مشغولات "نسرين" أنها كانت مقطوعة من السوق في قرية سنجل، "فكنتُ أول مَنْ أحيا هذا الفن، وتبعني في ذلك نساء كثيرات، صرن يتعلمن هذا الفن، ويأخذن دورات تدريبية فيه".

وتنجز "نسرين" القطعة حسب ذوق الزبونة أو تنجز قطعًا من بنات أفكارها وتعرضها للبيع، وتحاول الموازنة بين كونها ربة أسرة وعليها مسؤولية الاهتمام بأطفالها وهذا الفن الذي يستغرق وقتًا طويلًا لإنجاز القطعة الواحدة.

وتبيّن أنّ المواد الخام لهذا الفن باهظة الثمن في رام الله، حيث يكلفها كيلو القش الواحد 150 شيقلًا، وجرام الصبغة (30 شيقلًا)، "حاولتُ التغلب على عقبة غلاء المواد الخام بزراعة القمح لكنني وجدتُ أنّ الأمر سيكلفني أضعاف تكلفة شرائه، حيث إنّ زراعته تحتاج لعناية كبيرة جدًّا ومتعبة، فعدلتُ عن هذه الخطوة".

أسماء تراثية

وتعمل "نسرين" على نقع القش لمدة نصف ساعة في الماء حتى تلين ويمكنها التحكم بها، وتشكيلها ثم تقضي وقتًا طويلًا في تشكيلها، فصنع صينية قطرها 50 سم يستغرق ثلاثة إلى أربعة أيام من العمل، في حين أنّ صينية قطرها 65 سم تتضمن العديد من التشكيلات الزخرفية قد يتطلب إتمامها بين عشرين يومًا إلى شهر.

وتضيف: "لذلك يجب أن يعمل في هذا المجال مَنْ يحبه ويعمل بشغف ليرى القطعة الفنية جاهزة على الوجه الذي يريد"، مشيرة إلى أنها تصنع "الكبعة" (سلة صغيرة بدون يد) و"الجونة" (صينية عميقة) و"المعلاط" (سلة لها يد).

وتقول: "هذه أسماء تراثية غير متداولة حاليًّا فلا تُعرف المصنوعات التي أنتجها حاليًّا سوى باسم "سلال القش" فلا يتعمق الزبون المعاصر بأسمائها التراثية".

واختارت "نسرين" لمشروعها اسم "نكشات ستي" كون جدتها المتوفاة هي الملهم الأول لها في هذا العمل، حيث كانت تهوى صناعة المشغولات من القش، وبدأت بتسويق منتجاتها عبر صفحة خاصة على "الفيسبوك"، مشيرة إلى أنها فوجئت بحجم الإقبال الكبير من الناس على شراء المشغولات القشية.

وتذكر أنها عملت على توسيع مشروعها عبر الاستفادة من "بيت تراثي قديم" مهجور تعود ملكيته لأهل زوجها في عرض منتجاتها جنبا إلى جنب مع مشغولات تراثية أخرى كالأواني الفخارية و"القرصلات" (أواني مصنوعة من أغصان الزيتون) والطواحين و"الجواريش" فيما يشبه متحفاً مصغراً.

وتمضي بالقول: "الناس عندما يأتون للشراء يسعدون جداً برؤية المحل التراثي ويحرصون على التقاط صور فيه (..) ويزيد سعادتي عبارات الإطراء أيضاً على منتجاتي وجمالها ما يمدني بالطاقة لإكمال مشواري في هذا الفن".

مراحل صناعة القش

وتشير المراجع التاريخية إلى أن المراحل الأولى لهذه الصناعة كانت تبدأ صيفا حيث تجتمع النساء والفتيات على البيادر يجمعن أكوام محصول القمح وتبدأ بجمع وترتيب سيقان القمح بعد فصل السنابل عنها واختيار الجزء المناسب والأمثل لهذه الصناعة. 

ويكون الجزء المناسب من أسفل السنبلة إلى العقدة الأولى في الساق. وعادة ما يكون طول هذا الجزء حوالي 40 سم. وتجمع المرأة هذه الأجزاء على شكل ربطة (ظمة) وتستمر المرأة بهذه العملية حتى تجمع ما يكفي حاجتها لما ترغب في صناعته.

إلى جانب هذا النوع من القش تحتفظ المرأة بكمية من القش الخالي من السنابل، ولكن دون تهذيب لاستخدامه في الصناعة أيضا وهو ما يطلق عليه (الحشوة).

وتبدأ المرحلة الثانية من التصنيع بإعداد هذه المواد من أجل بدء التصنيع، وذلك بإحضار الأصباغ المعينة إذا أرادت أن تجعل من أدواتها أدوات مفرحة جميلة وتقوم أيضا بتليين القش، وذلك بنقعه بالماء مدة كافية وكذلك القش المستخدم في الحشوة.

بعد ذلك تستعد النساء للبدء بعملية التصنيع وغالبا ما تكون في فصل الشتاء، حيث تجتمع النساء بشكل جماعات، في الغالب تحضر كل منهن أدواتها وموادها ويجلسن متحلقات يمارسن صناعتهن ويتبادلن الحديث في أمور القرية والناس.