سأعود إلى التاريخ، ففي 13/3/2003، قال الرئيس الأمريكي جورج بوش: إن الولايات المتحدة ستكشف عن خطة سلام في الشرق الأوسط، وتهدف إلى إقامة دولة فلسطينية، وذلك عندما يصدِّق الفلسطينيون على تعيين رئيس وزراء فلسطيني جديد.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء هذا يجب أن يتمتع بصلاحيات فعلية "ليكون شريكا مسؤولا وذا مصداقية"
ولم تجف كلمات الرئيس الأمريكي في صحراء العدم، فبعد ثلاثة أيام، بتاريخ ١٨/٠٣/٢٠٠٣ صدَّق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على قرار تعيين محمود عباس "أبو مازن" رئيسا للوزراء، وذلك بعد ساعات على إقرار المجلس التشريعي مشروع القرار!
وبعد يوم واحد، بتاريخ 19/3/2003 شنت أمريكا عدوانها الإرهابي ضد العراق، الذي أدى إلى تدمير كرامة الأمة العربية كلها، ولتخفيف الاحتقان داخل الشارع العربي، وقبل أن تضع الحرب أوزارها بيوم واحد، عرضت أمريكا خارطة الطريق في 30/ 4/2003، وتنص على إقامة دولة فلسطينية على مراحل بحلول عام 2005.
الملاحظ من تطورات الأحداث أن العدوان الأمريكي على العراق لم يتحقق إلا بعد أن صنعت أمريكا تحالفاً مع الأنظمة العربية، البوابة الشرعية لمحاربة العراق واحتلاله، لتستكمل أمريكا التغطية على جرائمها من خلال مشروع خارطة الطريق، والحديث عن استئناف المفاوضات، وإقامة دولة فلسطينية في غضون عامين فقط من الإعلان المذكور.
نحن اليوم في سنة 2022، وحتى اليوم، لم تقم الدولة الفلسطينية الموعودة، ولم يتوقف الاستيطان، ولم ينتهِ الاحتلال، حتى إذا جاء الموعد الأمريكي الإسرائيلي الجديد لشن حرب إقليمية ضد إيران وحلفائها في المنطقة، بدأت أمريكا تحركها في اتجاهين متكاملين:
الاتجاه الأول: ترتيب الساحة الفلسطينية وفق المزاج الأمريكي، وكما فرضت أمريكا محمود عباس رئيساً للوزراء سنة 2003، فهي اليوم في طريقها لترتيب وضع قيادة منظمة التحرير، بما في ذلك الرئاسة الفلسطينية للمرحلة القادمة.
الاتجاه الثاني: ومع الأخذ بعين الاعتبار إنجازات التطبيع المذهلة، فإن المصلحة الإسرائيلية والأمريكية تقضي بإقامة حلف إسرائيلي عربي بقيادة أمريكا، توفر له (إسرائيل) المعلومة والخبرة التكنولوجية، وتوفر له أمريكا السلاح والغطاء السياسي، على أن توظف الأنظمة العربية موارد الأمة ورجالها، لخوض الحرب الإسرائيلية الأمريكية، وهذا الذي يستوجب الترضية، بالإعلان عن مبادرة أمريكية جديدة للسلام في الشرق الأوسط، وتسوية القضية الفلسطينية على نار الوعود الأمريكية.
المبادرات السياسية التي ستعلن عنها أمريكا بشأن القضية الفلسطينية في المرحلة القادمة، تهدف إلى تعزيز التحالف الإسرائيلي مع الأنظمة العربية في الحرب الإقليمية القادمة، التي لاحت تفاصيلها من خلال مناورات مراكب النار، واستدعاء الضباط والجنود الإسرائيليين من تركيا، وتلك التدريبات والاستعدادات والتجهيزات، التي تؤكد أن الحرب قائمة بمجرد استكمال الرئيس الأمريكي زيارته المريبة للمنطقة.
ويظل الشعب الفلسطيني هو حجر الرحى في المرحلة القادمة، فإن نجح في إشغال بال الاحتلال، وإرباك حساباته، نجح في إفشال المخطط الأمريكي والإسرائيلي، وفي هذا المضمار لا أستعرف ما يجري على أرض الضفة الغربية من حملة اعتقالات تقوم بها المخابرات الإسرائيلية من جهة، وحملة مضايقات لكل ما هو وطني ومقاوم للاحتلال، تقوم بها قيادة منظمة التحرير من جهة أخرى، وكأن خطوات الاحتلال القمعية تترافق مع خطوات السلطة العبثية، والهدف النهائي هو تهدئة الساحة الفلسطينية لتمرير المخططات الأمريكية.