مفوضة الاتحاد الأوروبي تعلن من رام الله استئناف الاتحاد الأوروبي مساعداته السنوية للسلطة الفلسطينية. لقد مرّ عامان كاملان على توقف المساعدات الأوروبية. الاتحاد قرر الآن تقديم مساعدات عاجلة عن العامين الماضيين، واستئناف المساعدات للعام الحالي. القيمة الإجمالية للمساعدات الأوربية تبلغ (٦٠٠) مليون دولار سنويًّا. من المؤكد أن السلطة في حاجة لهذه المساعدات ولا سيما بعد توقف المساعدات الأمريكية في عهد ترامب، وعودتها جزئيًّا في عهد بايدن.
ما من شك في أن السلطة تعتمد في بناء موازنتها السنوية التشغيلية والتطويرية على المساعدات الخارجية. حين توقفت المساعدات دخلت السلطة في حالة عجز وتراجع في الأداء، وبات وجود السلطة قوية يكتنفه الغموض. هذه الحالة الغامضة المسكونة بالضعف ربما هي التي شجعت دول الاتحاد على استئناف مساعداته التي توقفت أصلا بغية الضغط على السلطة والحكومة لمحاربة الفساد الداخلي، وتحقيق الشفافية في النفقات كما يطالب بها الاتحاد.
الاتحاد الأوروبي بات على قناعة بأن السلطة عاجزة عن تحقيق الشفافية، ومحاربة الفساد، ولكن أمام خطر انهيار السلطة قفز الاتحاد عن مطالبه وقرر استئناف المساعدات. المساعدات إذًا تقدم للمحافظة على بقاء السلطة ككيان يتحكم في الأوضاع في الضفة في قبضته، حتى لا يفاجأ الاتحاد بمجهول لا يناسبه، وحتى لا تضطرب الضفة بعد غياب عباس، وهذا يقتضي أن يكون الاتحاد لاعبا قويا في الميدان في ترتيب الأوضاع بعد عباس.
الاتحاد لا يستأنف مساعداته بسبب الغلاء وتأثر فلسطين به، ولا بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وحاجة الغرب لصوت فلسطين. ولا بسبب سرقة الاحتلال لجزء من أموال المقاصة، ولا لتنشيط المفاوضات والحل السياسي. كل هذه الأسباب يمكن أن تكون موجودة في خلفية القرار، ولكن ما يشكل أساس القرار هو كيف للاتحاد أن يمارس دورًا في ترتيب الأوضاع ما بعد عباس وهو لا يقدم مساعدات ويقف بعيدًا عن الميدان؟!
أيَّا كان الأمر فالسلطة رحبت بقرار الاستئناف، ووصفته بأنه بلا شروط، وهي تشعر أن المال سيعزز سيطرتها وقوتها، ولكنها مطمئنة إلى أن الاتحاد ليس لديه مشروع سياسي يقدمه مع المال، إذ يستأثر البيت الأبيض بالبعد السياسي، وحكومة (بينيت) عزلت العمل السياسي عن حكومة الائتلاف باعتباره يهدد الحكومة بالانهيار. لذا يمكن القول بأن كلام مفوضة الاتحاد عن حل الدولتين واستئناف المقاربة السياسية هو قول بلا رصيد، والغرض منه ترضية الطرف الفلسطيني بكلمات يحب هو أن يسمعها ليس إلا.
أما عن نصيب غزة المحاصرة من هذه المساعدات فقضية أخرى مسكونة بسلبيات الإدارة والكذب، ونصيب غزة سيبقى برحمة رضا عباس وقراره، وهنا لا يوجد أمل لأن الرجل يكره غزة، ويراها عبئًا تخلص منه.