منطق الدفاع عن الوطن يقضي بأن يعيش الشعب الفلسطيني معركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، حتى تحرير الأرض، وما التهدئة أو السكينة مع العدو إلا حالة استثنائية، لذلك فإن مقومات استئناف معركة سيف القدس قائمة، وما التأجيل إلا لأسباب ذاتية تدركها قيادة المقاومة، ولأسباب موضوعية لها علاقة بالإقليم، وهذا ما تكشف في الأيام الماضية من خلال جملة من التصريحات والمقالات، التي تخبئ في طياتها الكثير من الأسرار، سألتقط منها ثلاثة:
1ـ تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، اليهودي هنري كسنجر، الذي هندس اتفاقيات كامب ديفيد، وهو يقترب اليوم من المئة عام، وما زالت له رؤية في السياسة الدولية، وقد تحدث عن مستقبل الشرق الأوسط في حديث لصحيفة صندي تايمز، قال فيه: "أحداث كبيرة قادمة في الشرق الأوسط وآسيا"، والأحداث الكبيرة ليست جملة إنشائية، ولا هي تقدير موقف، وإنما كشف لمخططات خرجت من أدراج المخابرات الأمريكية، وهي موضوعة على الطاولة للتنفيذ.
2ـ مائير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، وقد نقلت عنه صحيفة غلوبس العبرية، أنه قال: "إن منطقة الشرق الأوسط في حالة تنظيم جديدة، وربما فريدة من نوعها، تطمس فيه الحدود بين دول المنطقة نفسها"، وهذا التجاوز في رسم معالم المنطقة ينبع من دراية ومعرفة لما يدور في الخفاء من ترتيبات، ومن إعادة الصياغة لبعض الدول وفق الرواية الإسرائيلية، وهذه المتغيرات لها تأثيرها على الحالة الفلسطينية بشكل مباشر.
3ـ المقال الذي نشره على صفحات الشرق الأوسط، الكاتب علي شهاب المستشار الإعلامي لمحمد بن سلمان، و يدعو في مقاله إلى قيام الدولة الهاشمية الفلسطينية، وفي هذا المقال يلحق الكاتب غزة وما تبقى من الضفة الغربية بالمملكة الأردنية، في دولة واحدة، تعيش بسلام مع دولة الصهاينة. وهذه الرؤية لحل القضية الفلسطينية، لا بد أن تكون تالية لتطورات عسكرية وسياسية ستشهدها المنطقة، تدفع بالفلسطينيين إلى قبول هذا الحال مرغمين.
ما سبق من تصريحات لمسؤولين تؤكد أن المنطقة كلها ستشهد متغيرات استراتيجية، وهذه المتغيرات لا يمكن أن تتحقق دون أحداث ميدانية، ومعارك عسكرية، وغزة ليست بعيدة عن هذه التطورات الإقليمية، وقد سبق وأن اعترف أحد قادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الأخ محمد السنوار، بوجود غرفة عمليات مشتركة، تدير المعارك مع العدو الإسرائيلي، ويشارك في هذه الغرفة حزب الله، وتشارك بها إيران، وهذا الذي يحتم على المقاومة أن تعاود قراءة الخارطة السياسية والميدانية من شتى الجوانب، وأن يكون قرار معركة سيف القدس 2 محكوماً بجملة التطورات في المنطقة، وتأثيرها على الحالة الفلسطينية، فإذا أضيف إلى ما سبق تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، والذي اعترف بأن كيانه يواجه التهديد على ست جبهات، وهدد لبنان بحرب ساحقة ماحقة غير مسبوقة، تطال حتى المدنيين في قراهم ومدنهم من اليوم الأول للمعركة، فذلك يعني أن قادم الأيام يخفي الكثير من الأحداث الميدانية المرتبطة بفلسطين بشكل عام، وبالمقاومة في قطاع غزة، وهي تراقب المناورات العسكرية الإسرائيلية على حدودها، ويدها على الزناد.