كثير من الأمور متروك للاجتهاد الفردي، في حين المواطن الفلسطيني بأشدّ الحاجة إلى الموقف الوطني الجماعي؛ لكي يتسلّح به، ويحمي نفسه من عواقب الموقف الفردي، ولكي لا يقع في حالة التردد الصعبة التي يكون غالبًا أحلاها مرًّا.
ومن المثال يتضح الأمر: عندما تقرّر سلطات الاحتلال أرشفة المواطن الفلسطيني إلكترونيا ومنحه هوية ممغنطة، ما هو الموقف الوطني من هذا الأمر؟ هل يتعاطى المواطن الفلسطيني مع هذا الأمر أو يرفضه؟ هل هذا خيار فردي أو ينبغي أن يكون موقفًا جماعيًّا؟
عندما يتلقى المواطن الفلسطيني اتصالا هاتفيا ويطلب منه أن يأتي للمقابلة فهل يرفض أو يذهب صاغرا ويعرّض نفسه للابتزاز أو الاعتقال فيذهب برجليه للمعتقل بمواصلات على حسابه، ودون أن يكلفهم أي تكلفة؟ فحالة عدم الذهاب مشكلة، والذهاب مشكلة، لو كان هناك موقف وطني معلن فإنه يتسلّح به ويقول إنه لا يستطيع الخروج عن الفتوى الوطنية في هذا الموضوع.
موضوع التعاطي مع صفحة المنسّق والصفحات المماثلة للمحتلّ هل هو مسموح ولا غضاضة في الأمر أو هو مخالف للموقف الوطني؟ وهل هذا الموقف الوطني معلن ووصل إلى أغلبية الناس بصورة واضحة لا لبس فيها أو هو مغيّب ومتروك للاجتهاد الفردي؟
هناك نجاحات جيدة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وهذا ما تبنته وعملت من أجله "حركة مقاطعة إسرائيل "PDS”، ويمكن البناء على هذه التجربة الناجحة بمقاطعة البضائع كافة المعنوية والماديّة والسياسية وكل ما يحيكه الاحتلال للإيقاع بنا.
لماذا يُترك ظهر المواطن مكشوفا دون أن تكون هناك ما سميته فتوى وطنية تجعل من الموقف جماعيا؟ وعندها يتحمّل المواطن مسئوليته الوطنية في حالة الانسجام مع الفتوى أو عدم الالتزام!
ويبقى السؤال: من؟ وكيف يتم إصدار مثل هذه الفتاوى الوطنية؟ لا بد من اعتماد مرجعية تحظى بمصداقية عالية لدى الناس من شخصيات وطنية معروفة بحرصها الشديد على القضية والوطن والمواطن. ففصائل العمل الوطني والإسلامي ممكن بداية أن تفرز هذه الشخصيات وتعتمدها لمدارسة هذه المسائل وغيرها مما يطرأ على الحالة الفلسطينية، ولقد مرّت التجربة النضالية الفلسطينية بمثل هذا الأمر فترتي انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى، وكانت هناك مرجعية وطنية تصدر عنها عبر بيانات القيادة الموحّدة المواقف الوطنية التي يطلب من الناس الالتزام بها.
الاحتلال يتعامل مع المجتمع الفلسطيني أنه قطيع من الخراف أو مجموعات من الأعراب البدو الرحّل المشتتين القاطنين في هوامشهم، والمطلوب منهم القيام على خدمة المحتلّ وفق ما يريد، وبالطريقة التي يختارها دون أن يكون هناك أي ممانعة، يمغنطهم ويؤرشفهم في سجلاته الإلكترونية، ويتحكم رجل الأمن عندهم بالفلسطيني على أنه تابع ذليل يطلبه وقتما يشاء، يهينه ويسائله بصفاقة وابتزاز، إن شاء حبسه وإن شاء أطلقه، يتعاملون معنا من الموقع الأعلى واعتبار الفلسطيني هو الأدنى والأذلّ، لذلك فإن المطلوب التعامل الفلسطيني من موقع الأعلى لكون الفلسطيني على الحق وصاحب القضية، أو على الأقل من موقع النديّة والرفض الحاسم لأي تعامل دوني مع الفلسطيني. وهذا يحتاج لأن يتسلّح الفلسطيني بالموقف الوطني المنبثق من مرجعية وطنية عليا تحظى بثقة المواطن الفلسطيني.
أذكر أن عمر البرغوثي رحمه الله اتصل به رجل الأمن الإسرائيلي وسأله: جئتك بالأمس الساعة الثانية ليلا، ولم أجدك في البيت: أين كنت؟ فرد عليه عمر: هل سألتك يوما أين كنت الساعة الثانية ليلا؟ لماذا تسألني؟ وعندما تذاكرت مع عمر هذه الحادثة بعد عدة سنوات قال لي: هذا كان من زمان، نتعامل معهم بنديّة، اليوم نحن الأعلى وهم الأدنى والأحقر والأذلّ.
لا ينبغي للفلسطيني أبدا أن يذلّ للمحتل مهما كلّف الأمر، ولا بدّ من أن يتسلّح بفتوى وطنية مستندة لموقف وطني تتخذه مرجعية وطنية ذات مصداقية عالية.