ما تزال الحرب في أوكرانيا مستمرة. توشك الحرب أن تقتطع الجزء الشرقي من أوكرانيا لصالح الانفصاليين المدعومين من روسيا. يبدو أن أوكرانيا ودول الغرب عاجزون عن منع هذا الاقتطاع. الغرب دفع أموالا كثيرة، وأرسل سلاحا كثيرا لأوكرانيا، وجيّش أعدادا كبيرة من المتطوعين للحرب ضد روسيا، ومع ذلك يبدو أن كل هذا لا يمنع اقتطاع هذا الجزء الكبير والمهم من أوكرانيا، ومن ثمة قد نشهد حالة تسليم غربي بالأمر الواقع، دون الاعتراف بالجمهورية المستقلة شرق أوكرانيا.
في تصريح مهم لهنري كيسنجر أيد فيه الدعم الغربي لأوكرانيا، واعتبره عملا جيدا، حذر الغرب من خطر وضع روسيا في مأزق يؤدي لاستمرار الحرب، ويؤدي إلى تقدم الصين، حيث يرى كيسنجر أن الصين تمثل الخطر الأكبر، وأنها تكبر وتتمدد على حساب روسيا من جهة وعلى حساب المصالح الغربية من جهة أخرى، لذا يجدر بالغرب أن يعترف ببعض مطالب روسيا السياسية وغيرها، ولا يجدر بالغرب مكافحة روسيا لدرجة إيقاع الهزيمة بها، لأن الهزيمة لا تخدم أوكرانيا، ولا تخدم المصالح الغربية، وتخدم فقط مصالح الصين.
قلنا سابقا، ونعيد هنا بعضا مما قلناه، فهذه الحرب هي حرب بالوكالة بين أمريكا والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، والدولة الأوكرانية تدفع ثمن هذه الحرب بشكل مباشر سواء في خسارة الأرض (الجزء الشرقي) أو الخسارة في البشر وفي المعدات والاقتصاد. الدول الكبرى التي تدير الحروب بالوكالة لا تهتم كثيرا بالخسائر التي يدفعها الصغار، وهنا لا يهتمون كثيرا بالخسائر التي تدفعها أوكرانيا.
قد يكون كيسنجر مصيبا في رؤيته بضرورة أن يتفهم الغرب المطالب الروسية، وأن يتيح فرصة مناسبة لبوتين لوقف إطلاق النار، والخروج من الحرب بشيء من الرضا عما أنجزته الحرب، وأنه يفتخر بتقديم هذا الإنجاز لشعبه، ولأركان حكمه، وللجيش.
الأسد الجريح خطير، ويخوض مع غيره معركة وجود، لذا يكون شرسا بشكل مضاعف، وعلى الغرب أن يراعي الجراح التي أصابت روسيا الدولة، والتي أصابت القائد بوتين شخصيا، وهذا يقتضي الأخذ بنصيحة كيسنجر ومساعد روسيا على الخروج من الحرب المستعرة بكرامة، وبدون هذا المخرج تستمر الحرب وتتواصل الخسائر، ويتراجع الاستقرار العالمي، وتحقق الصين بعضا من رؤيتها المستقبلية للعالم.