فلسطين أون لاين

يوسف والقضية المركزية للأمة

بلا شك أن القضيّة المركزية ليعقوب عليه السلام كانت لسنوات طويلة هي ضياع يوسف والبحث عنه، وكانت هذه القضية بمثابة محصلة غير متوقعة لحصاد تربوي طويل لنبي الله يعقوب، فأن يتآمر الإخوة على أخيهم الأصغر بهذه القسوة والفظاظة، هو عمل غير صالح، ومن غير متوقع كذلك أن يخرج هذا الفعل الشنيع من بيئة التقوى والصلاح التي أنشأها يعقوب عليه السلام، ولكن هذه هي طبيعة البشر.

ضيّعوا أخاهم ظلما وعدوانا ثم أصرّوا على إخفاء آثار الجريمة لسنين طويلة، فطروا قلب أبيهم وزرعوا فيه حزنا عظيما أذهب بصره وحوّلوا حياته إلى جحيم وعذاب لا حدود له حتى يجد الحبيب المفقود وتعود المياه إلى مجاريها وسابق عهدها. 

كذلك فلسطين القضية المركزية للأمة، تآمر عليها إخوانها وأضاعوها، فقدوا البوصلة وأصبح يوسف هذه الأمة أسيرا لدى ألدّ أعداء الله شرّا وفجورا وصلفا. ووصل بهم الأمر أن يصلوا حافّة اليأس من رحمة الله بما ضاقت عليهم السبل وتداعت عليهم قوى الظلم والاستكبار وبما كسبت أيديهم من دواهي التخلّف والضعف والهوان.

وإذا كان لا بد من ألّا نيأس من روح الله وألّا نصل إلى حالة اللاعودة وفقدان القدرة على تصحيح المسار، حيث ترسّخت عوامل النكوص على الأعقاب بصورة عميقة: فأوضاع العرب وتفرقّهم وتبعيتهم وعدم اتفاقهم أبدا على البحث عن مفقودهم وإيجاد الحلول لنهضتهم وعزتهم والانتصار لقضيتهم المركزية (فلسطين) هي عناوين هذه المرحلة وعلامات للمرض والهزيمة.

وكذلك الأوضاع الفلسطينية ليست ببعيدة عن هذه لولا مقاومة عزيزة في طرف من أطرافها، فالانقسام وعدم الوصول إلى برنامج وطني يوحّد حالة المواجهة ويوجّه البوصلة بطريقة صحيحة، كذلك أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة والقاسية وما جرّه علينا اتفاق أوسلو وثقافة أوسلو التي هان عليها إلقاء الأخ لأخيه في غياهب الجبّ الصهيوني. 

إذا أردنا ألّا نيأس من روح الله ولا نفقد الأمل والبوصلة فليس لنا إلا أن نبحث عن قضيتنا ونخرجها من جبّ أوسلو ومن آصار وأغلال الهزيمة وهذه المرحلة البئيسة.

لقد بات المطلوب الآن هو (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أن نذهب ونتفقّد قضيتنا الفلسطينية بكل حواسنا، ويا لروعة هذا اللفظ القرآني: "تحسّسوا". هنا المطلوب ألّا ندخر جهدا من حواسنا كلّها المعرفية وخبراتنا السياسية وجهودنا الأمنية، بكلّ خبراتنا وخبرات غيرنا من الذين تحرّروا من ربقة الاستعمار، أن نتفقّد عوامل الضعف والفشل، أن نقف على أنفسنا وقفة صدق، أين تراجعنا وأين تقدّمنا، كيف نحقّق نقاطًا تراكمية لصالح قضيتنا الفلسطينية، المطلوب أن نجد قضيتنا التي حاول كثيرون تضييعها في ملفّات صغيرة مشتتة وإلقائها في غياهب الجبّ. 

المطلوب في البحث عن يوسف (القضية) هو أن نعيدها في سياقها الصحيح، احتلال وشعب محتل يريد أن يتحرّر من هذا الاحتلال بكل السّبل، وأن تبقى هذه هي القضية المركزية والأهم للفلسطينيين أولا وللأمتين العربية والإسلامية ثانيا، فإذا كان هذا المشروع بزرع هذا الكيان في قلب العالم العربي والإسلامي وفق الأهداف الغربية مشروعا مركزيا له، فإنّ مشروع التحرير لبيت المقدس وأكناف بيت المقدس هو المشروع المركزي للأمة. وهذا يعني إيلائه كل الاهتمام والدعم المعنوي والمادي والسياسي بما يليق بمركزية هذه القضية وليس مجرد شعار للتغني به وللاستهلاك المحلّي.