فلسطين أون لاين

​كي لا تتسبب لطفلِك بانتكاسة .. امدح الجهد لا النتيجة

...
غزة- عبد الرحمن الطهراوي

عندما كانت أم عبد الله السوسي تكرر عبارتها "أنت الأفضل بين أقرانك" لطفلها منذ أن كان ابن 4 سنوات، لم تكن تعرف أنها كانت تسهم في زعزعة ثقته بنفسه بشكل غير مباشر! فكلمتها تلك كانت دائماً تأتي رد فعل على كل العلامات التامة التي كان يحصّلها في مدرسته إلى أن جاء ذلك اليوم.

كان حينها "عبود" –كما تفضل أمه أن تناديه- في الصف الثامن، عندما أصيب بوعكة صحية شديدة أثناء فترة الامتحانات النهائية، فلم يبلِ حسناً بالإجابة عن محتواها حتى حصل على علامات منخفضة نسبياً لم ترفعه إلى مستوى "الامتياز" كما جرت العادة.

تقول أمه :"منذ ذلك الحين (حوالي عامين) ومستوى ابني الدراسي ينخفض نحو قاعدة الهرم! بعد أن كان الأول على مدرسته طوال حياته، صار –ورغم دراسته المتمكنة- يشعر بالخوف أمام فكرة الامتحان ويحصّل علامات منخفضة، وهذا ما جعلني أتخذ خطوة سؤال مختص تربوي ونفسي".

المختص الذي لجأت إليه السيدة أخبرها أن السر يكمن في فكرة محاولتها الحثيثة تعزيز ثقة طفلها بنفسه وقدراته منذ أن بدأ وعيه بالتشكل، ذلك من خلال الاستمرار في الحديث عن إمكانياته وذكائه ولو من باب المجاملة والتحفيز، فلا تحصل هنا النتيجة المطلوبة بل على عكسها تماماً.

تحدي المستحيل

وهذا ما أكده مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة د.درداح الشاعر، الذي قال :"استخدام اللفظ الإيجابي المطلق في وصف منتج الطفل (الأفضل، الأحسن، الأروع، الأشطر) من شأنه دفعه إلى تخطي المستحيل من أجل تثبيت مستواه أو رفعه، وهذا سيتسبب بانتكاسة نفسية له في حال فشل في تحقيق ذلك، ناهيك عن شعوره بالذنب وضعضعة ثقته بنفسه وقدراته نتيجة شعوره بأن من حوله يسخرون منه، أو أنهم غارقون اليوم في الخذلان بسببه"، مشدداً على ضرورة التركيز على أداء الطفل العملي خلال محاولته إنجاز العمل المطلوب منه لا على النتيجة، وهذا هو الأمر الذي سيدفعه فعلاً نحو النجاح لا النتيجة التي يحققها بالأرقام.

حرب "المثالية"

إن أصعب ما يمكن أن يمر به الطفل على صعيده النفسي الباطن، كما يوضح الشاعر، مدح أهله لنتيجته دون الاكتراث إلى حجم المجهود الذي بذله من أجل الحصول عليها، فاكتفاء الأم مثلاً بالقول لطفلها :"أنت ذكي جداً، عندما يتمكن من تركيب لعبة البازل، أو الصور المقطعة، سيدفعه مرة بعد مرة إلى ترك المحاولة، وما يرافقها من تعب، ركوناً إلى أنه لا يحتاج لبذل مجهود من أجل إثبات رأي موجود أصلاً لدى الجميع حول ذكائه وقدراته".

ويضيف د.الشاعر :"إن محاولة الآباء دفع أطفالهم إلى تبني الصورة المثالية التي رسمها أفلاطون في مدينته الفاضلة، تضعهم في حرب نفسية بين ما يجب أن يكونوا عليه وفقاً لمعايير الخطأ والصواب لدى الأهل، وما هو مرتبط بالطبيعة البشرية العادية التي تخطئ كما تصيب".

مرحلة اختبار القدرات

ودون قصد قد ترتكب الأم (أو الأب بطبيعة الحال) خطأ كبيراً بحق الأطفال عندما تتلفظ بكلمات قصدها فيها تشجيعهم على الإنجاز بينما هي في حقيقة الأمر كلمات مثبطة تشعرهم بغبائهم وتكشف عيوبهم بشكل ضبابي.

ويطرح الشاعر مثالاً على ذلك بالقول :"عندما تطلب الأم من طفلها تنظيف المساحة أمام باب البيت، ثم تهرع لمساعدته بقصد التعبير عن حبها له، فإنها تحرمه بذلك من اختبار قدراته، وكأنها تقول له :أنت صغير لن تستطيع فعل ذلك وحدك"، متابعاً :"كذلك الأمر عندما يسألها طفلها عن حل مسألة صعبة فترد عليه بنية تسهيل الأمر عليه وتشجيعه على المحاولة (المعادلة بسيطة للغاية)، هنا يشعر الطفل وكأنها تخبره بـ كم هو غبي، وكم هو لا يستطيع حل حتى هذه المسائل البسيطة، سيتسلل الشعور بالفشل حينها إلى قلبه، ويصبح متردداً أمام فكرة المحاولة".

وينصح د.الشاعر الآباء بترك الفرصة للأطفال كي يجربوا ويرتكبوا الأخطاء ويفشلوا، فإن حدث ذلك تعلموا للمرات القادمة، لكن تجنيبهم فعل الخطأ يقفز بهم من مراحلهم العمرية الطبيعية إلى مراحل أخرى أكبر مبكراً مما سيحرمهم متعة التجربة وشغف المحاولة عندما يكبرون.