فلسطين أون لاين

حلم الوصول لرئاسة السلطة يصطدم بالإرادة الشعبية الرافضة

تقرير حسين الشيخ.. من منبوذ ومُلاحق في عهد "عرفات" إلى مُرشّح لخلافة "عباس"

...
حسين الشيخ ومسؤول ملف التنسيق الأمني في حكومة الاحتلال يؤاف مردخاي
غزة/ يحيى اليعقوبي:

يحتدم الصراع على منصب رئيس السلطة فيما يُعرف بـ"صراع الوراثة"، لكنَّ اسمًا واحدًا يفرش له رئيسها محمود عباس البساط الأحمر ليتولّى كرسي الحكم خلفه، وهو عضو اللجنة المركزية لفتح حسين الشيخ، الذي نال ثقةَ عباس خلال السنوات الماضية، وتسلّق أدراج المناصب ليشغل -عن طريق التعيين لا الانتخاب- منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو الموقع الذي شغله عباس قبيل وفاة الرئيس ياسر عرفات.

بحسابات الرجلين بات الشيخ على بعد خطوة من المنصب بدعم إسرائيلي وقبول عربي وأمريكي، لكونه أكثر شخصية تنطبق عليها "المعايير الإسرائيلية" المطلوبة في رفض المقاومة وخاصة المسلحة، ومعاداة قطاع غزة، والأهم السير على نهج عباس في استمرار التنسيق الأمني وبرنامج المفاوضات.

وكان الشيخ من الشخصيات التي ينبذها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأمر باعتقاله عام 2003 بعد محاولاته لإحداث شرخ داخل حركة فتح والتهجُّم على قيادات فتحاوية بهدف التسلّق على ظهورهم في التنظيم، وإزاء ذلك قرّرت اللجنة المركزية للحركة تنحيته من منصبه آنذاك كأمين سر مرجعيتها، ودعت لاعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة "التورط في قضايا فساد" إلا أنه اليوم تصدّر المشهد في اللجنة المركزية نفسها.

من شخصٍ يُلاحَق على تهم فساد وشرخ الصف الفتحاوي إلى قائد سياسي يُمهَّد له بساط الرئاسة، إضافة لما تسرّب له خلال تسعة عشر عامًا فصلت بين المرحلتين، ورغم ما تسرّب عن قضايا تحرّش لم ينفها الشيخ نفسه، فإنّ رئيس السلطة ظلّ محافظًا عليه ضمن الدائرة المغلقة المقرّبة منه، بل أناط به ملفات ذات حساسية عالية، وكان من أبرز تصريحاته المطالبة بنزع سلاح المقاومة.

مقياس النضال

وإن كان الشيخ أو المقربون منه يتباهون بأنه اعتُقل أحد عشر عامًا عندما كان شابًّا يافعًا، فإنّ الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف يعتقد أنه لم يعد ذلك مقياسًا ليتبوّأ مواقع في السلطة وأجهزتها، فشخص كعباس ليس له ماضٍ نضالي بمفهوم المقاومة، وكما يقولون: إنه "لم يحمل مسدسًا في حياته"، وموقفه معروف بمعاداة المقاومة، ومع ذلك يتبوّأ الموقع الأول في فتح ومنظمة التحرير.

وقال عساف لصحيفة "فلسطين" إنّ الدور المقاوم والاعتقال ليسا معيار التقدم في مواقع القيادة بالنسبة للسلطة، إذ إنّ شخصًا مثل تيسير أبو سنينة بطل عملية "الدبويا" وسط الخليل وهو أسير محرر ورئيس بلدية الخليل المنتخب فُصِل من حركة فتح قبل أسابيع، أمّا الشيخ فقد اعتُقل مع مجموعة لحركة فتح أواخر الثمانينيات دون أن يكون له دور مميز أو فاعل داخل السجون.

وأضاف أنه عند خروج الشيخ من السجن لم يتبوّأ مواقع متقدمة داخل حركة فتح حتى تشكيل السلطة، حيث حاولت بعض أوساط الحركة تقديمه وتنصيبه على رأس لجنة منافسة لقيادة مروان البرغوثي الذي أخذ نجمه يتقدم داخل الحركة، وفي مرحلة ما نشرت الصحف أنّ عرفات أمر باعتقاله.

وقد عمل الشيخ مساعدّا في البداية بوزارة الشؤون المدنية للوزير السابق الراحل جميل الطريفي فعزّزت حساسية الموقع مكانته داخل السلطة وحركة فتح، كما تناقلت بعض وسائل الإعلام أنه الشخص الذي قدم تسجيلًا صوتيًّا لعباس يتضمّن صوت محمد دحلان وهو يتهجّم عليه وعلى أبنائه.

وذلك التسجيل، وِفق عساف، كان "الشعرة التي قصمت ظهر البعير" في العلاقة بين الرجلين، التي قادت إلى هروب دحلان وفصله من اللجنة المركزية وحركة فتح.

وعن القبول الإسرائيلي للشيخ رغم وجود قيادات في فتح يرضى عنهم الاحتلال، استعرض عساف تجربة الشيخ في العمل بوزارة الشؤون المدنية، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال يبحث عن شخص يسير على نهج عباس يكون مطواعًا، ويكمل النهج ذاته، وكلّ ذلك متوفر في شخصية الشيخ.

ورغم تقديم عباس "الشيخ" على غيره من القيادات، فإنّ عساف كما كثير غيره من المحللين، يرون أنّ فرص الشيخ بالرئاسة شبه معدومة، إذ هناك تحالفات داخلية في حركة فتح قد تتآلف ضد تعيينه، وقد يُعاد طرح الأسير مروان البرغوثي شخصية الخلاص للحركة.

مرحلة فاصلة

يُوافق القيادي في التيار الإصلاحي لحركة فتح ديمتري دلياني سابقه، إذ أشار إلى أنّ المنصب الذي وصل إليه الشيخ تمّ من خلال التعيين، وهذا الإجراء يتم اتّباعه في منظومة عباس دون انتخابات.

وقال دلياني لـ"فلسطين" إنه يجب التفريق بين المرحلة الحالية وما بعد عباس، فكل هذه التعيينات بعد رحيله ستصبح بحكم الشعب، ولا يمكن التنبؤ بمدى قدرة التعيينات على الصمود بعد رحيل عباس، معتقدًا أنّ الأمر لا يتعلق بالشيخ وحده بل هناك طبقة حاكمة بالضفة الغربية جميعها تتولى المناصب وفق التعيين.

وتساءل إن كان هناك شخصية واحدة في الضفة ذات نفوذ وانتُخبت ولم تُعيّن، معتقدًا أنّ الاحتلال راضٍ بالوضع القائم بشخوصه ووظائفهم جميعًا، وأنّ التركيز على الشيخ يُنبّه إلى المصيبة التي نعيشها بتغييب دور الشعب.

وأكد أنه لن يكون هناك توريث، وهذا الأمر لن يمرّ نهائيًّا على الشعب ولا حتى على الدول المانحة، والشيخ يعلم ذلك، فهو على المدى التكتيكي شخص وظّف الظروف الحالية لصالحه بوجود رئيس سلطة عمره 86 عامًا يعيش عزلة شعبية ومعظم قيادات فتح ابتعدت عنه، فرأى فجوة وتمّت مكافأته بتعيينه بمنصب مهم "أمين سر" اللجنة التنفيذية.

و"صراع الوراثة" بات مقلقًا للاحتلال الذي يريد تمريره بهدوء، بحيث تكون هناك شخصية تتولى الأمر ويُفضّل لها "الشيخ" أو أيّ شخصية تنتهج نهج عباس، ويؤمن بالمقاومة السلمية والمفاوضات ويستبعد المقاومة المسلحة ولديه مواقف سلبية من قطاع غزة، لذلك يجد الاحتلال كلّ هذه الأمور متوفرة في شخصية الشيخ، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد.

وأوضح عواد في حديث لـ"فلسطين" أنّ الاحتلال يأمل أن يكون هناك توزيع لـ"كعكة الوراثة" بأن تتولى شخصية قيادة السلطة وأخرى للمنظمة وأخرى لفتح ليتحقق التوازن، ورغم ذلك فهو قلق من حدوث فوضى بعد عباس.

ويعتقد أنّ أيّ شخصية تريد تسلم السلطة يجب أن تحظى برضا ثلاثة أطراف: الاحتلال، والإقليم، وأمريكا، لكون السلطة ليست ملكًا لذاتها، إذ إنه من المهم لهم أن يتوافق رئيس السلطة مع رؤى الأطراف الثلاثة لعدم الوقوع في إشكاليات التوجيهات السياسية لها.