مع استمرار جرائم المحتل الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، وارتفاع وتيرة اقتحامات قطعان المستوطنين لباحات وجنبات المسجد الأقصى المبارك والمدن والقرى في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية، وبحماية الشرطة والجيش الإسرائيليين، يبرز سؤال حول واقع ومعطيات الصراع بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلي المارقة، وتالياً مستقبلها بالاعتماد على الحقائق وتنبؤات بعض القادة الإسرائيليين وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق.
تنبؤات بزوال (إسرائيل)
ثمة تنبؤات صهيونية ـ إسرائيلية برزت خلال السنوات الأخيرة حول زوال (إسرائيل) قبل احتفالها بالعقد الثامن من إنشائها، وفي هذا السياق أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ 80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ"التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين".
وفي مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قال باراك: "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن".
وأضاف قائلًا: "إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عبر عن مخاوفه من زوال وأفول إسرائيل خلال عام 2017، حيث قال حينئذ: "إنه حريص أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة، هي دولة الحشمونائيم.. نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا".
من جهته اشار اليهودي الصهيوني، وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر في تصريح له خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2012، تداولته مواقع الإنترنت ومنصات التواصل، يفيد بأن إسرائيل لن تكون موجودة بعد 10 سنوات.
ويمكن الجزم بأن تلك التصريحات لكل من إيهود باراك وبنيامين نتنياهو اعتمدت بشكل كبير على حقائق الصراع مع الشعب الفلسطيني المستمر بكفاحه بأشكال متعددة مشروعة ومتاحة خلال أربعة وسبعين عاماً (1948 ـ 2022)، في وقت لم تكتمل فيه ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين وطن الشعب الفلسطيني الحقيقي والتاريخي رغم المزاعم والشعارات الصهيونية الزائفة .
ركائز المشروع الصهيوني
ارتكز المنطلق الإستراتيجي لسياسة الإحلال والتهويد الصهيونيين في فلسطين على أربعة أسس، تتفرع عنها جملة مبادئ لأغراض مرحلية التنفيذ وفق الإمكانات الصهيونية المتاحة. وتحدد الأسس والركائز بما يأتي:
العمل الصهيوني الدؤوب لتهجير يهود العالم إلى فلسطين لكونها العامل الحاسم لزيادة وتطور مجموع اليهود في فلسطين، فضلاً عن العمل على تهويد الأرض العربية، بعد احتلالها ومصادرة ما يمكن مصادرته بطرق عديدة، إضافة إلى محاولة تهيئة الظروف السياسية لطرد ما أمكن من العرب الفلسطينيين ومن ثم إقامة المستوطنات لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا لصالح المشروع الصهيوني، وأخيراً تم التركيز على إيجاد اقتصاد صهيوني من شأنه أن يكون عاملا جاذبا لمزيد من يهود العالم، من خلال تحقيق مستويات معيشة مرتفعة ومعدلات نمو عالية.
ماذا تحقق من ركائز للمشروع الصهيوني بعد مرور أربعة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل؟ وماذا عن الحلقات المفقودة للمشروع؟ أسئلة سنحاول الإجابة عنها في سياق عرضنا.
ستظل الهجرة اليهودية هاجساً قوياً لأصحاب القرار في إسرائيل لكونها حجر الأساس في تأمين المادة البشرية اليهودية لتحقيق أحلامها التوسعية في المنطقة العربية وتحقيق التفوق الديموغرافي الدائم على العرب في فلسطين. وقد أولى قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل أهميةً كبيرةً لموضوع هجرة اليهود من بقاع الأرض كافة باتجاه فلسطين، وذلك لتأمين المادة البشرية التي تَلزم لتنفيذ حلقات المشروع الصهيوني المتصلة، ولوحظ أن الهجرة اليهودية لم تتخذ طابع الجذب والطرد وفق العوامل الموضوعية، وإنما اتخذت طابعاً منظماً تقف وراءه المؤسسات الصهيونية.
ومنذ مؤتمر بال استطاعت الحركة الصهيونية وإسرائيل استغلال الظروف الدولية لجذب مزيد من يهود العالم وإسرائيل، فكانت بريطانيا المؤسس الأول لدفع المادة البشرية اليهودية إلى فلسطين في أثناء انتدابها على فلسطين خلال الفترة (1922 ـ 1948) فحصلت كبرى الهجرات اليهودية إبان تلك الفترة حتى وصل مجموع اليهود عشية الإعلان عن إقامة إسرائيل في 15 مايو/أيار 1948 إلى نحو (650) ألف يهودي، ارتفع نتيجة الهجرة بشكل أساسي، وبفعل استمرار الهجرة ليصل إلى ستة ملايين وثمانمائة واثنين وتسعين الف وخمسمائة يهودي خلال العام الخالي 2022.
وفي الوقت نفسه استطاعت المجازر الصهيونية المنظمة طرد 850 ألف فلسطيني عام 1948، ليصبح عددهم خلال العام الحالي 2022 ستة ملايين ونصف المليون فلسطيني ويطلق عليهم لقب لاجئ، كما طرد الجيش الصهيوني 450 ألف فلسطيني من الضفة والقطاع في إثر احتلالهما في الخامس من حزيران / يونيو1967، ليصبح مجموعهم مليونا وثمانمائة ألف فلسطيني يطلق عليهم لقب نازحين، ليصبح مجموع ضحايا عمليات الترانسفير والطرد الصهيوني ثمانية ملايين وثلاثمائة ألف فلسطيني، يشكلون 59 في المائة من إجمالي الشعب الفلسطيني البالغ (14) مليون فلسطيني خلال العام الحالي 2022، وبحسب أرقام الجهاز الإحصائي الفلسطيني، يعيش خمسة ملايين وثلاثمائة إلف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين يتوقع أن يصل عدد الفلسطينيين على أراضي فلسطين التاريخية إلى سبعة ملايين ومائة ألف فلسطيني في نهاية العام الجاري 2022، ويساوي العدد المتوقع في نهاية العام الجاري عدد اليهود على أراضي فلسطين التاريخية، ويعيش في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 مليون وسبعة وستون ألف فلسطيني.
الأرض والمستوطنات والاقتصاد
بالنسبة إلى الركيزة الصهيونية الأهم والمتمثلة بتهويد الأرض الفلسطينية فإن تلك العملية تطلبت السيطرة على الأرض الفلسطينية بشتى الطرق والوسائل، وقد وضعت لها آليات منظمة ومؤسسات تنفيذية تعمل بدقة عبر وسائل عديدة من بينها المجازر والإجلاء القسري والاستيلاء على الأرض الفلسطينية. وقد لعبت المؤسسات الصهيونية المختلفة، مثل الصندوق القومي اليهودي، والوكالة اليهودية ومنظمة ييكا، فضلاً عن الانتداب البريطاني، لعبت دوراً مهما في نقل ملكية الأراضي العربية الفلسطينية لليهود، وقد امتلك اليهود تبعاً لذلك حتى قرار التقسيم في العام 1947 نحو (1820000) دونماً.
أي أن الحركة الصهيونية حتى عام 1948 وعلى الرغم من نشاط مؤسساتها المحموم لم تستطع السيطرة سوى على (9) في المائة من إجمالي مساحة الأراضي الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل في عام 1948، في حين ساهم الانتداب البريطاني بالقسط الأكبر من التسلل اليهودي إلى الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها.
وبعد العام المذكور استمرت السلطات الصهيونية بالاستيلاء على الأراضي العربية بكل الطرق والقوانين الجائرة، فتوسعت تبعاً لذلك ملكيات الصندوق القومي اليهودي في فلسطين.
وتابعت السلطات الصهيونية خطواتها التهويدية بعد احتلالها الضفة والقطاع، فكانت القدس مركز التهويد لأهداف سياسية معروفة في مقدمتها اعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل. وعلى الرغم من مرور اثنين وسبعين عاما على إنشائها، فإن السلطات الإسرائيلية والمؤسسات الإسرائيلية النافذة لا تزال تعتبر الأرض العربية المحتلة ركيزة أساسية لتحقيق حلقات المشروع الصهيوني في المدى البعيد.
وقد توضح ذلك من خلال التصورات المشتركة لكل الأحزاب الإسرائيلية حول القضايا الجوهرية، التي تشتمل على الحدود والسيادة والمستوطنات والقدس واللاجئين. وبالنسبة إلى الركيزتين المتمثلتين بإقامة المستوطنات وتطور الاقتصاد الإسرائيلي، فإن الحركة الصهيونية وإسرائيل، اعتبرتا تلك الركيزتين الوجه الآخر لعملية الاحتلال والمكملة للتهويد والتفريغ والسيطرة الديموغرافية، وهي الحزام الأمني والاقتصادي للمجتمع الإسرائيلي، فمنذ عام 1948 أقامت الحركة الصهيونية وإسرائيل مستوطنات تستحوذ على المهاجرين من اليهود من جهة، وتحقق عملية العزل والحصار للقرى العربية من جهة ثانية.
ومن أجل ذلك هدمت السلطات الإسرائيلية (478) قرية من أصل (585) قرية عربية وأنشأت على أطلال الكثير منها مستوطنات أو بالقرب منها، وما زلنا نلحظ حتى اللحظة في عام 2022 أن للمستوطنات وكذلك الأمر للنشاط الاستيطاني بشكل عام أهمية قصوى في إطار نشاط المؤسسات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لكونها ركيزة من ركائز المشروع الصهيوني وانطلاقه لتحقيق خطوات لاحقة. وقد واكب التطور في تحقيق ركائز المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية منذ عام 1948 ظهور اقتصاد إسرائيلي بدعم غربي، يساعد على تدعيم تلك الركائز.
آفاق الصراع
يلحظ المتابع لتطور القضية الفلسطينية أنه بعد مرور أربعة وسبعين عاماً على إنشاء (إسرائيل) (1948 ـ 2022)، لم تكتمل ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين، سواء في شقه البشري الديموغرافي، أو المادي، أي الأرض، فثمة حلقات مفقودة ولم تكتمل فيه. فالاستيطان على أشده والموازنات الإسرائيلية المخصصة لذلك خير دليل، والإنسان الفلسطيني ملاحق في أرضه سواء في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال جعل حياته صعبة وهامشيةً في أرض أجداده وآبائه.
تبعاً لذلك ستبقى أراضي فلسطين محور صراع مفتوح بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلي المارقة، وكفاح الشعب الفلسطيني المستمر بصور مختلفة ومشروعة جدير بإسقاط كل ركائز المشروع الصهيوني ـ الإسرائيلي، الأمر الذي جعل العديد من قادة إسرائيل ومفكريها، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي السابق "هنري كيسنجر" يتنبؤون بأفولها وزوالها في المستقبل القريب.