مضت مسيرة الإعلام الإسرائيلية واحتفل نفتالي بينيت وحده بالانتصار الوهمي، ولكن العسكريين والسياسيين وحتى الإعلاميين في "إسرائيل" يشغلهم أمر آخر تماما، يشغلهم التنامي الملحوظ للمقاومة في الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص في محافظة جنين وفي بلداتها ومخيماتها، التحريض في وسائل الإعلام الإسرائيلي ضد جنين أصبح علنيًّا ويشبه الصراخ والعويل، يطالبون بضرب جنين واجتثاث المقاومة فيها من أجل ردع باقي مناطق الضفة الغربية وحتى قطاع غزة.
اجتياح جيش الاحتلال لمنطقة جنين لم يعد سهلًا، بدؤوا يفكرون في استخدام الدبابات والطائرات في اجتياحاتهم القادمة لبعض المناطق الخطرة، مواطنون في جنين قالوا إن صوت "الزنانة" أمر طارئ عليهم ويزعجهم طول حضورها في سماء المدينة وفوق مخيم جنين وقباطية وربما في مناطق أخرى، الأمر صار يشبه قليلا قطاع غزة، وهذا ما يزعج الاحتلال وقادة الكيان الإسرائيلي، ولا أغالي إنْ قلت إنَّ جنين تسبب لهم صداعًا كبيرًا لا تخففه مغامرات نفتالي بينيت، والأمر لا يتوقف عند جنين، فنابلس بدأت تتحرك وتظهر فيها تشكيلات عسكرية تنفذ بعض العمليات وإن كانت في بدايتها وقد تتطور بسرعة أكبر مما هو متوقع وقد تلحق مناطق أخرى في الضفة الغربية بجنين ونابلس.
محللون إسرائيليون يعتقدون إن الجيل الفلسطيني الجديد لم يتعرض إلى عملية كي وعي من دولة الاحتلال، ولا بد من عمل ضد المقاومة الفلسطينية من أجل تحقيق ذلك الهدف، وهو كي الوعي لدى الجيل الحالي، وأنا أعجب كل العجب لهذا التفكير، فهم لم يسألوا أنفسهم عن جيل الانتفاضة الأولى الذي خرج بعد سنوات من الهزيمة والضياع ليقاوم الجيش الذي لا يقهر، وهو في الحقيقة لم يقهر مرة واحدة أمام ذاك الجيل لسلسلة الهزائم التي تعرض لها الفلسطينيون والعرب باستثناء حرب أكتوبر التحريكية عام 73 والتي كانت فعلًا انتصارًا للجيش المصري العظيم ثم حولها السياسيون إلى أبشع هزيمة عرفتها الأمة العربية بعدما زار الرئيس المصري أنور السادات دولة الاحتلال وخطب في الكنيست الاسرائيلي ووقع اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية. المقصود أن الجيل الفلسطيني الذي خرج من رحم الهزيمة والمؤامرات العربية أبدع في مقاومته في الانتفاضتين الأولى والثانية، ولكن الجيل الحالي شهد عدة انتصارات للمقاومة الفلسطينية واللبنانية في عدة حروب آخرها وأشدها قبل عام واحد فقط وهي معركة سيف القدس، وشهد أيضا فرار جيش الاحتلال من جنوب لبنان وقطاع غزة، فأي جيش هذا الذي سيقوى على كي وعي الشعب الفلسطيني الذي يتوارث العزة والكرامة جيلا بعد جيل؟
"إسرائيل" لا تعيش أفضل حالاتها بل أكثرها سوءًا، ولا بد أن تتوقف عن مغامراتها العبثية وتحديها للسنن الكونية؛ الاحتلال لن يدوم ومن يقرر اجتثاث شعب مقاوم كمن يحرث البحر، ولذلك إذا استمر المحتل بغطرسته وعدوانه على الشعب الفلسطيني وعدم اعترافه بالواقع الجديد سوف يقصر مدة احتلاله لفلسطين.