فلسطين أون لاين

​لغياب علاجهم.. مرضى "نقص النمو" في خطر

...
غظة - نسمة حمتو

بملامحها الصغيرة، وقلبها الذي يتسع العالم بأسره، كانت تنتظر بفارغ الصبر أذان المغرب في شهر رمضان كي تدعو الله "يا رب تكبرني وتسمّني"، ولا تسأم أبدًا من ترديد دعائها هذا، رغم أنها في كل مرة تتوجه فيها إلى مستشفى عبد العزيز الرنتيسي للأطفال تعود حزينة جدًا، لأنها لم تحصل على جرعة العلاج اللازمة، والتي لم تصل لغزة منذ أشهر بسبب الحصار.

300 شيكل يوميًا!

الطفلة ميار دلول (6 سنوات) تعاني من ضعف في النمو منذ كان عمرها ستة أشهر، ورغم محاولات والدتها المتكررة لعلاجها، إلا أنها لم تحصل في تلك الفترة على أي علاج يساهم في شفائها.

قالت والدة ميار لـ"فلسطين" عن حالتها: "ابنتي عمرها ست سنوات، ولكن الناظر إليها يعتقد أن عمرها ثلاث سنوات فقط، هذا الأمر أثر بشكل سلبي عليها، فهي لا تثق بنفسها بسبب ما تسمعه من الأطفال في سنها".

وأضافت: "أحاول كثيرًا أن أعوض ابنتي عن هذا النقص، بإشراكها في كثير من النشاطات والألعاب، ولكن توفر العلاج أمر ضروري جدًا لها، ويساهم في زيادة نسبة الطول عندها بدلًا من معاناتها مع نقص الوزن وقصر القامة".

وتابعت الأم قولها: "عندما سجّلتها في الصف الأول في المدرسة، استغربت المعلّمة كثيرًا، ونصحتني بتسجيلها في مدرسة خاصة، ولكن بعد أن رأت ذكاءها وشخصيتها القوية وافقت على تسجيلها".

ضعف بينة ميار يؤثر على نفسيتها بشكل كبير، ويشعرها بالنقص الشديد لأنها تختلف في الحجم عن أصدقائها وأقاربها، وهي تنتظر بفارغ الصبر الحصول على الحقن التي من شأنها أن تحسّن حالتها الصحية.

وقالت والدتها: "حاولنا البحث عن طرق أخرى نستطيع من خلالها توفير العلاج لميار، ولكن للأسف هو غير موجود في غزة، وإن توفر فإن ثمن الحقنة الواحدة 300 شيكل، وابنتي تحتاج حقنة يومية لمدة عام كامل".

وأضافت: "الوضع المادي سيئ جدًا، لا نستطيع أبدًا توفير العلاج لابنتي حتى ولو كان زوجي موظفًا يتقاضى راتبا كاملا، فلدي خمسة أبناء، وبالكاد نستطيع توفير الطعام".

ميار وغيرها من مرضى نقص النمو يعانون بشكل كبير في ظل منع دخول الحقن الخاصة بعلاجهم، وهم يدفعون ضريبة الحصار المفروض على قطاع غزة.

ولكن عقلي أكبر

ولا يختلف حال (س. ن) كثيرًا عن وضع ميار، فهي الأخرى ترفض الخروج إلى الشارع واللعب مع صديقتها كي لا ينعتها أحد بـ"القصيرة".

والدتها قالت لـ"فلسطين": "حاولنا التواصل مع مؤسسات عدة لتوفير الأدوية، ولكن للأسف أخبرونا أنها لا تدخل غزة لأن ثمنها مرتفع جدًا، وحتى لو طلبناها من الخارج لا يوجد معابر لإدخالها".

وأضافت: "عمر ابنتي 9 سنوات، ولكن تبدو كابنة خمس فقط، تعاني من ضعف شديد في بنيتها، وأخاف أن تصل لمرحلة البلوغ دون الحصول على الحقن اللازمة، فتأخر الحقن يعني تأخر النمو، وبالتالي زيادة الأمر سوءًا".

وتابعت قولها بقلب يحترق من الخوف على ابنتها: "كل يوم، تعود ابنتي من المدرسة باكية بحرقة، فالأطفال يرددون على مسمعها كلمة (صغيرة)، نظرًا لصغر حجمها، على الرغم من أنها متفوقة، وحصلت على المركز الأول في القراءة".

وواصلت: "أحاول أن أزرع الثقة في نفسها كي تكون قوية، وعلّمتها أن ترد على استغراب الناس بالقول: (أنا صغيرة ولكن عقلي أكبر منكم جميعًا)، لكن ما يقلقني هو تأخر العلاج وعدم وجود وسيلة أخرى لشرائه".

والدة (س.ن) كغيرها من الأمهات تحلم بأن ترى ابنتها سليمة معافاة، دون معاناة، وتتفاعل مع أصدقائها وأقاربها، وهي توجه رسالة لكل مسؤول عن قطع العلاج: "امنعوا عنا الماء والكهرباء والهواء، ولكن المرضى ليس لهم ذنب في الخلافات السياسية، لا تحرموهم صحتهم".

فرصة أفضل

أما الطفلة نسرين العشي، فهي الأخرى تعاني وبشكل كبير بعد أن أصبح عمرها 11 عامًا، ولم تتلقَ الحقن اللازمة، قالت والدتها: "هيئة ابنتي كطفلة في السادسة من عمرها، كل شهر أقصد المستشفى كي أطمئن على حالتها، ولكن للأسف لا تحسن رغم تناولها الفيتامينات".

وأضافت العشي التي تعاني ابنتها من فقدان شديد في الشهية: "كان من المفترض أن تحصل ابنتي على الحقنة هذا الشهر، ولكن بسبب عدم دخولها لم تأخذها حتى الآن، أخاف ألّا تتحسن فيما بعد، فكلما يزيد عمرها تقل فرصة التحسن".

توفير العلاج

مدير قسم الغدد في مستشفى الرنتيسي جميل البهنساوي، قال لـ"فلسطين": "العلاج المبكر في مشكلة نقص النمو عند الأطفال يعطي نتائج أفضل بكثير، وكلما اقتربت الحالة من سن البلوغ تتراجع نسبة التحسن، خاصة بالنسبة للفتيات".

وأضاف: "كلما كان العمر أصغر، تنمو العظام بسرعة أكبر عند الحصول على حقنة النمو، وللأسف يوجد حاليا ما يزيد على 80 حالة في المستشفى لأطفال أعمارهم تزيد على 11 عاما، وتأخر الحقن يؤثر عليهم بشكل كبير".

ونوه البهنساوي إلى أنه في مستشفى الرنتيسي 400 حالة من الأطفال الذين يعانون من ضعف هرمون النمو، مؤكدًا أن تأخر العلاج وعدم وصوله في الموعد المحدد يعني صعوبة في علاج النمو لدى هؤلاء الأطفال.