نجحت الولايات المتحدة و(إسرائيل) في دفع رئيس السلطة محمود عباس صاحب الـ(87 عامًا) إلى تعيين حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية المقرب من الدوائر الأمنية الإسرائيلية في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو منصب سيادي يقذف بصاحبه إلى كرسي الحكم والاستيلاء على السلطات في الأراضي الفلسطينية.
مرت عملية التعيين دون ضجيج سياسي أو حتى استشارة أعضاء اللجنة التنفيذية أنفسهم، إذ جرى تمريرها غداة "العرض العسكري الصهيوني بالأعلام" الذي استباح خلاله المستوطنون باحات المسجد الأقصى بعد إفراغها بقوّة السّلاح من المقدسيين والمرابطين.
لن أسهب في عرض تناقضات رجالات المنظمة وغياب معلومة التعيين، لكن أود أن أشير إلى عملية الدهاء السياسي في اختيار التوقيت وموقف الرجل المعين في هذا المنصب السيادي دون انتخاب أو حتى استشارة أعضاء اللجنة نفسها.
فعندما سَرَّب الإعلام الإسرائيلي كتاب التكليف الموقع من رئيس السلطة عباس إلى الفلسطينيين، سارع الشيخ إلى تغيير توصيفه على منصة توتير وبدأ يتلقى التهاني والتبريكات على منصات التواصل الاجتماعي، ولم يعقب على الانتقادات اللاذعة التي أطلقها المعارضون له ولنهج السلطة في رام الله.
كل ما سبق كان مجرد سرد لما جرى خلال الأيام القليلة الماضية، لكن عملية التخطيط لهذا التعيين بدأت مبكرًا وكان أطرافها قيادة السلطة وإدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن وحكومة نفتالي بينيت، بهدف بناء نظام سياسي فلسطيني يخلف حكم محمود عباس بعد وفاته بمقاسات أمريكية إسرائيلية.
على مدى عامين قاوم عباس الضغط الأمريكي الإسرائيلي لتعيين خليفة لصائب عريقات الذي تُوفي من جراء إصابته بفيروس كورونا في خريف عام 2020، وإعادة تكوين اللجنة التنفيذية الذي تراجع تأثيرها عقب استقالة السياسية المخضرمة حنان عشراوي في العام ذاته.
في بداية العام الجاري قرر أبو مازن تعيين رجلَي حركة فتح: حسين الشيخ وماجد فرج، عضوين في اللجنة التنفيذية وسط رفض قوي من فصائل فلسطينية، أبرزها حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تعيين أبو مازن الرجلين جعلهما كرقم واحد واثنين في “فتح”، وفي م.ت.ف، وفي السلطة الفلسطينية، وعليه فإن نجاح خطوة تعيينهما تعني أن مسؤول منظمة التحرير القادم سيكون من الجيل الذي تربى في حضن السلطة بالضفة الغربية بخلاف عباس والراحلين ياسر عرفات وأحمد الشقيري.
حتى الآن يلتزم أقطاب السلطة في فتح ومنظمة التحرير الصمتَ رغم الجدل الذي رافق عملية الإعلان عن تعيين الشيخ، لكن ثمة خطر قادم من الخليل متمثل بالعقيد جبريل الرجوب الذي يرى في نفسه الأحق لهذا المنصب في ظل القاعدة الشعبية التي يمتلكها في جنوب الضفة الغربية المحتلة.
خطر آخر يهدد عملية التعيين، يتمثل في القائد التاريخي لحركة فتح المعتقل منذ عقدين في سجون (إسرائيل) مروان البرغوثي، فالرجل وبعد خلافاته العلنية مع عباس إبان الانتخابات البرلمانية المؤجلة العام الماضي، لن يقبل بالشيخ في هذا المنصب، خصوصًا وأن الأخير كان سيفًا مسمومًا في عملية التفاوض بين عباس والبرغوثي بشأن مشاركة الأخير على رأس القائمة الانتخابية لحركة فتح آنذاك.
خطر ثالث يهدد تعيين الشيخ قائمٌ في غزة، ويتمثل في حركتي حماس والجبهة الشعبية، وكلتيهما تريان في الشيخ امتدادًا لمشروع عباس الأمني القائم على خدمة (إسرائيل) ومشروعه الاستيطاني مقابل الاستمرار في السلطة وكسب الأموال وتصدُّر المشهد السياسي والوصاية على الشعب الفلسطيني وقضيته.
تلك الأخطار على "أبو مازن" والشيخ لن يكون تأثيرها بقوة انفجار الشارع الفلسطيني ضد مشروع التوريث الأمني للسلطة، وهذا الانفجار وإن تم التحايل عليه من خلال اتخاذ القرار في ذروة الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى مدينة القدس المحتلة فإنه قادم لا محالة.