كلمة أهل القدس جاءت بالأفعال لا بالأقوال. هكذا يبدو المشهد ردا على إجراءات سلطات الاحتلال التي يرى فيها المقدسيون مسعى إسرائيليا للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك.
وصحيح أن سلطات الاحتلال ارتكبت المزيد من الجرائم بحق الإنسانية بقتلها ثلاثة شبان مقدسيين عزل أول من أمس، لكن الفلسطينيين والمقدسيين بشكل خاص قرروا أن إجراءات الاحتلال، ومنها تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى، لن تمر.
تأتي هذه التطورات بعد نحو عامين على اندلاع انتفاضة القدس في وجه مخططات الاحتلال الرامية –بحسب المراقبين- إلى تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، ثم هدمه وبناء "الهيكل" المزعوم على أنقاضه.
"ما حصل في القدس المحتلة أول من أمس وأنا عمري 57 عاما، لم أره من قبل"، بهذا يبدأ الناشط المقدسي الشيخ نور الرجبي حديثه مع صحيفة "فلسطين"، مبينًا أن كل جهود المقدسيين تضافرت ليكونوا حول الأقصى والبلدة القديمة، رغم منع سلطات الاحتلال معظمهم من دخول البلدة، فكانت الصلاة في الشوارع المحيطة بها.
ويفسر بأن "حجم القوة البشرية المتواجدة في شوارع القدس غير مسبوقة. إنها قوة من الشباب المقدسيين، والكبار أيضًا. هناك التفاف كبير حول هذه القضية"، مشيرًا إلى أن الجميع شارك في هذه الغضبة على إجراءات الاحتلال.
ويشبه الرجبي، حراك المقدسيين بأنه "ككرة الثلج كل يوم يكبر"، مضيفا: "نحن الآن في مرحلة لا نستطيع معها التراجع".
ويشير إلى أن المرجعيات الدينية الفلسطينية والعلماء وبعض الشخصيات الاعتبارية، قرروا في اجتماع لهم أول من أمس، الاستمرار في الحراك وعدم دخول المسجد الأقصى لا من خلال البوابات الإلكترونية ولا من جانبها، إذ إنه يجب إزالة هذه البوابات، وأن تتوفر الحرية للمصلين للدخول إلى الأقصى، منوها إلى أن المقدسيين يستندون إلى هذه الفتاوى.
وعن أهداف الحراك الشعبي، يوضح أن ظاهره إزالة البوابات الإلكترونية، لكن القضية ليست فقط قضية هذه البوابات، وإنما أنه يجب على الاحتلال أن يرحل عن المسجد الأقصى، وأن تكون صاحبة الصلاحية فيه دائرة الأوقاف الإسلامية.
ويشدد على عدم إمكانية التراجع عن هذه المطالب، لأن ذلك يعني تثبيت الاقتحامات اليومية وإجراءات الاحتلال، لافتًا إلى أن الحد الأدنى من هذه المطالب المعلنة هو إزالة البوابات والسماح بدخول المصلين المسلمين بحرية تامة دون تفتيش أو عوائق.
وعما إذا كان الحراك الشعبي يعني اشتعالا في جذوة انتفاضة القدس، يجيب: "نتمنى ذلك"، موضحا أن العملية الفدائية التي نفذها الشاب عمر عبد الجليل العبد، في مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي رام الله، وأدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين، هي ردة فعل طبيعية من الشباب الفلسطيني.
ويقول الرجبي، إن ردات الفعل الفلسطينية وإن كانت "عشوائية وفردية" كما يصفها، فإنها تؤلم الاحتلال، مؤكدا أن الأخير "لا يتعلم" وأن "غباء" رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو هو الذي يتحمل تداعيات الموقف.
ارتباط عقدي
من جهته، يوضح مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، أن حراك أهل القدس المحتلة هو للدفاع عن الأقصى، مبينًا أن المقدسيين طالبوا بأن يرفع الاحتلال الحصار عن المسجد وأن يزيل البوابات الإلكترونية قبل أن يتأزم الوضع إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها بسبب الاعتداء على الأقصى وتعنت الاحتلال وغطرسته وسعيه إلى قمع الشعب الفلسطيني.
ويظن الاحتلال –والكلام لا يزال للكسواني في حديثه مع صحيفة "فلسطين"- أن قمع شعبنا سيعود عليه بجدوى ونفع، لكن ذلك جاءه بنتيجة عكسية، لأن ارتباط الفلسطينيين وكل العالم المسلم بالأقصى هو ارتباط عقدي، وأن الشارع الفلسطيني لا يحتمل المساس به.
ويبين أن الصلاة حول الأقصى وأبوابه استجابة لدعوة العلماء ولإزالة البوابات الإلكترونية التي نصبها الاحتلال، منبها إلى أن القبول بهذه البوابات "يعني أن تزال السيطرة والسيادة الإسلامية عن المسجد".
ويشير إلى أن الأوقاف الإسلامية تشرف على الأقصى نيابة عن العالم الإسلامي "لكن المحتل يريد أن يسلب هذه السيطرة من الأوقاف ويضع شروطه وبواباته الإلكترونية ثم بعد ذلك الخطر يكمن في أنه ربما يتخذ خطوات أخرى حتى يسيطر زمانا ومكانا على الأقصى فيسمح لمن يشاء ويمنع من يشاء من الدخول.. وربما يغلقه في مناسبات يهودية".
ويتابع: "لذلك القضية هي أكبر من هذه البوابات، فهي قضية سيادة على الأقصى الذي لا يقبل القسمة على اثنين. المسجد هو للمسلمين وحدهم. هذا بقرار رباني ومن ثم أيضًا فإن قرار اليونسكو أقر بأن الاحتلال لا شأن له بالأقصى".
ويشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تبنت في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.
وعن تصعيد الحراك الشعبي، يحمل الكسواني الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية عن تبعات تعنته ونصبه البوابات الإلكترونية، ومسؤولية الدم الفلسطيني الذي سال.
وينوه إلى أن الأقصى هو ليس للفلسطينيين فقط بل لكل المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، والاحتلال يتحمل مسؤولية استفزازه مشاعر المسلمين وتعنته في إبقاء هذه البوابات، مؤكدا أنه إذا أبقى الاحتلال إجراءاته بحق الأقصى فإن تداعيات ذلك "ستنتقل من القدس ربما إلى كل فلسطين ومن ثم إلى الشرق الأوسط كله".
ويلفت إلى أن الإعلام العبري ذكر أن نتنياهو لا يقاتل الفلسطينيين وحدهم، إنما بات يقاتل كل المسلمين في أنحاء المعمورة، من خلال إجراءاته تجاه الأقصى.
ويتمم: "إن الرد من المقدسيين والفلسطينيين كان عدم الخنوع والدخول للأقصى من خلال هذه البوابات"، مشيرًا إلى مظاهرات شعبية خرجت أول من أمس، في تركيا والأردن ودول عربية واسلامية أخرى تضامنا مع الأقصى.