"لم أتخيل يومًا أن تضيق عليَّ الأرض وتبقى المقبرة هي المكان الوحيد الذي أستطيع فيه إخبار عائلتي أني تخرجت أخيرًا".. بهذه الكلمات بدأت زينب القولق الحديث عن أوجاعها التي تجثو على صدرها منذ أن فقدت عائلتها السنة الماضية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
زينب البالغة من العمر (22 عامًا) فقدت 22 فردًا من عائلتها إثر مجزرة إسرائيلية بشعة قضى فيها 46 فلسطينيًّا عندما دمرت المقاتلات الحربية العديد من المنازل على رؤوس ساكنيها فجر السادس عشر من مايو/ أيار 2021 في حي الرمال غربي مدينة غزة.
ومنذ ذلك الحين مرت زينب بظروف لم تعهدها من قبل لكنها تجاوزت محنتها وأكملت دراستها وتخرجت، مؤخرًا، من الجامعة الإسلامية تخصص آداب لغة إنجليزية.
علاوةً على ذلك، فهي تملك موهبة في الرسم جعلتها قادرة على أن ترسم عدة لوحات فنية تجسد مأساة عائلتها التي سحقتها قنابل الاحتلال.
وأقام المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان في مقره غرب غزة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين معرضًا للوحات زينب، عنوانه: "عمري 22 عامًا وفقدت 22 شخصًا"، بحضور والدها شكري القولق، وشقيقها أسامة.
تفاصيل فقدانها لهذا العدد من أفراد عائلتها، لم يمحُها مرور سنة كاملة على العدوان الذي امتد حينها 11 يومًا، ارتكب خلاله جيش الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان.
واستذكرت زينب خلال حديثها مع صحيفة "فلسطين"، والدتها وقربها منها في كل مراحل حياتها، قائلةً: "لم أتصور من قبل أني لن أكون قادرة على إخبار أمي بتخرجي؛ كم كنت ممتنة لليالي الاختبار التي نامتها بجانبي لطمأنتي، لكل كوب قهوة أحضرته لي في ساعة متأخرة من الليل بينما كنت أدرس، لم أخبر أختي هناء بعد كم آنسني دعاؤها وأحاديثها من الليل بينما كنت أدرس".
"لم أتخيل كيف لأحلامنا التي تمنيناها طويلًا أن تنقلب لكابوس بشع؛ أن تنتهي أعوام من الدراسة وقد أصبحت جثة ترتدي زيَّ التخرج"، أضافت زينب وعلى كلامها وغصَّةُ في القلب تكاد تحجب صوتها.
"ماما أمل، وأختي هناء، وأخي أحمد، وأخي الأكبر طاهر، جدي أمين، وجدتي سعدية، زيد وآدم وأمهما دعاء ووالدهما عزت، زوجة عمي ختام وعمي فواز، وابنه عبد الحميد، وابنه الآخر سامح، وزوجته آيات، ويتوسطهم طفلهم قصي وابنة عمي ريهام. حلا، ورولا، ويارا، ووالدهم محمد؛ كنت أتخيّلهم واحدًا تلو الآخر بداخل تلك الأكفان كلما انتهيت من رسم أحدهم، ودّعت قريبي الذي تخيّلته بداخله".
وزادت قائلة: اثنان وعشرون كفنًا، اثنان وعشرون روحًا رحلت في ليلة وضحاها. تلك الأكفان ليست متشابهة كما ترى على الإطلاق؛ فكلّ كفن منها يحتوي على قريب أو قريبة لي.
وبعد قصف منزلها وتدميره بالكامل، بقيَت زينب ساعات طويلة تحت الركام ورجال الدفاع المدني يبحثون عنها قبل أن يتمكنوا من انتشالها من بين الأكوام الخرسانية التي تساقطت فوقها، بعد 12 ساعة من البحث.
وخاطبت من أنقذها قائلة: "شكرًا لرجل الدفاع المدني لأنك استطعت ملاحظة تحريكي لطرف قدمي في جسد خائرة قواه، رأسه عالق للأسفل بين حجارة كبيرة، صوته غير مسموع، وظنَّ أنه جثة. شكرًا لأنك استطعت ملاحظتي في الثواني الأخيرة بعدما باتت الجرافة بجانبي وقد غرزت أسنانها بالقرب مني حتى بتُّ أرتعش من حرارتها، وأنا عاجزة تمامًا عن إيصال صوتي".
ومضت إلى القول: "منذ سنة واحدة فقط، كان الجميع حولي، كانت المرة الأخيرة لأن يجتمعوا سويًّا، لدي صور ومقاطع مصورة تُوثّق ضحكات ذلك اليوم، لدي صور لم يبقّ منها أحد سواي، ولقد بات الليل يسكننا، ومآسيه تبتلعنا".