من لا يملك يُعطي من لا يستحق، هي قاعدة بلفور الاستعمارية التي أُقيم على أساسها هذا الكيان الغاصب، وهي ديدنهم الدائم، فما يُسمّى عندهم محكمة هو في الحقيقة مهزلة بكلّ ما تعنيه الكلمة، هل هي صاحبة الاختصاص والأمر في الحكم في قضية عربدة مستوطنين في ساحة مسجد للمسلمين، ومتى وكيف وعلى أيّ أسس قانونية اعتبرت أن هذا المكان له علاقة بهؤلاء المستوطنين لتسمح لهم أن يقيموا شعائرهم المجنونة؟
وإذا بلغ التطرّف هذه الدرجة من العدوان والصلف ليبيح لهم هذه العربدة المجنونة والتي يحاولون ربطها بأساطير واهية لا دليل عليها ولا برهان بأيّ شكل من الأشكال، فيأتون بحماية جيش تربّى على العنصرية ورؤية الآخر الفلسطيني على أنهم أفاعي وصراصير ودون الجنس البشري الذي يمثلونه بكثير، متطرف مجنون يأتي بحماية عنصري مجنون، لممارسة طقوس ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ولم يجدوا سوى هذا المسجد المقدس لدى المسلمين، ثم الجديد أن تأتي ما يسمّى عندهم محكمة لتعطيهم إذنًا بممارسة هذه العربدة دون وجل أو خجل، هذا أمر أقلّ ما يقال فيه أنّه إيذان بالحرب وسحب لصاعق التفجير في المنطقة بأسرها.
هذه المحكمة هي ذاتها التي تبرئ من يقتل الفلسطيني بدم بارد أو تحكمه بغرامة بضع أغورات، هي التي تبالغ بأحكام لا مثيل لها في العالم وهي التي تحكم المعتقل الإداري على ملف سري دون أن يكون هناك تهمة معلومة، لسان حالها يقول: أنت أيّها الفلسطيني لا تساوي شيئًا، لا تساوي بضع أغورات، ومقدساتك عنا هي ليست لك، أنت لا تستحقّها، هي لنا كاملة، حلال علينا محرمة عليكم، ولا مجال للحوار أو التفاوض أو سماع حجتك او دليلك التاريخي أو الديني، أنت مجرّد عابر سبيل بينما السبيل والمكان والزمان كلّه لنا.
كيف ينظر العالم الحرّ إلى هذه العربدة المجنونة التي يمارسها هؤلاء؟ ثم كيف ينظر الى هذه الشرعنة القانونية من محكمة لا تملك الشرعية ومن كيان لا يملك أصلًا أن يحكم في ممتلكات الشعب المحتلّ ومقدساته؟
ثم لنرى كيف يقوده جنونه إلى هذا المربع الأسود الذي لن يجني منه سوى الدمار، ولا شكّ بأن هذا الكيان الديمقراطي! والذي دوما يتغنّى بهذه الديمقراطية نجده يرتكس ارتكاسة عظيمة عندما يكون الحقّ حليفًا لعدوّه فينحاز انحيازا كاملا للشيطان فيتنكّر لكل الحقوق وبصورة قانونية يلوي بها أعناق النصوص القانونية ويجعل منها مطواعا لما تسوّل به نفسه الشريرة التي لا ينبغي لها إلا أن تبرّر هذه العربدة التي أقلّ ما يقال فيها أنّها التطرّف والعدوان بعينه.
إن هذه الجريمة وهذه الشرعنة لها من محاكمهم تشكّل عدوانًا صارخًا على كلّ مسلم يرتبط عقائديًّا وإيمانيًّا بالمسجد الأقصى، وهي بمثابة استعداء لكل أحرار العالم وكل من يحمل القيم الإنسانية دون أن تلوّثها صهيونيتهم الغاشمة، هم لا يدركون أنهم يعزلون أنفسهم بذلك ولن يبقى لهم نصيرًا إلا قوى الشرّ والاستكبار العالمي، هم بذلك يضعون أنفسهم في المكان الذي يُرجم به إبليس، فإذا دارت عليهم الدائرة وهي قريبة باذن الله فلن يرحمهم أحد، هكذا هي حركة التاريخ لا يبقى الظالم ظالمًا ولا المظلوم مظلومًا، تاريخ يتداوله الناس فيُغيّب أقواما ظلموا واستبدّوا، علوا وعربدوا، ويعيد لأقوام ظُلموا مجدهم ويعلي شأنهم من جديد، ذلك بأن العدل أساس الملك واستقراره، بينما بالظلم تزول الدول وتمحى آثارها.