سررت كثيرا عندما وصلنا للاكتفاء الذاتي في بعض السلع الأساسية التي كنا نعتمد فيها على الغير، في محاولة للتغلب على الحصار الظالم المفروض على غزة منذ أكثر من ستة عشر عامًا، وهذه المحاولة تصب في الإطار الصحيح لكوننا شعبًا ما زال يتجرع مرارة الاحتلال، وارتضينا بالمقاومة سبيلًا للتخلص من المحتل.
لكن نحن بحاجة إلى المزيد من هذه المحاولات والتجارب للوصول إلى حالة من الاكتفاء والتكيف مع الواقع لتوفير الحد الأدنى والمعقول من الاحتياجات الإنسانية اللازمة لمواصلة الصمود والتحدي حتى ننال الحرية والاستقلال، خاصة أن معركتنا مع الاحتلال ما تزال قائمة وتنتقل من مربع إلى آخر أكثر ضراوة وشراسة من ذي قبل.
وفي المقابل من المحزن أن نظل نعتمد في كثير من احتياجاتنا الأساسية على غيرنا في تلبيتها، خاصة أننا شعب متعلم وينافس غيره من شعوب الدول المحيطة في ارتفاع نسبة المتعلمين وانخفاض الأمية، كما أننا وفقًا للدراسات العلمية نحمل شهادات جامعية أكثر من عدونا نفسه، ومع ذلك نعتمد على غيرنا في قضايا يمكن لمهندسينا وخبرائنا لو حاولوا أن يجدوا البديل، لنصبح بحق شعبًا مقاومًا، نسخر العلم والخبرة في مجال الصمود والتحدي أمام المحتل الغاصب الذي يحاصرنا من كل ناحية، ويحاربنا في الأرزاق والطعام والدواء.
فلماذا ننتظر حتى يحضر الوفد الأجنبي ليقوم بإصلاح محطة الكهرباء، وفي حال رفض الاحتلال السماح للوفد بالدخول يعنى استمرار معاناة المواطن من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، على الرغم من وجود عشرات المهندسين في مجال الكهرباء وغيره، الذين يتخرجون سنويًّا في كليات الهندسة من جامعاتنا المحلية والجامعات الأجنبية.
ولماذا لا نصل إلى تأمين رغيف العيش وهو الأهم من صنع أيدينا، فلدينا أراضٍ واسعة انسحب منها المحتل وما زالت بحاجة إلى استثمار واستصلاح؟ ولماذا نعتمد على عدونا في إدخال الفواكه والحبوب والأعلاف وغيرها؟ وهنا أذكر أننا تعلمنا منذ صغرنا أن الشعب الحر هو الذي يأكل مما يزرع، لذا سعى عدونا وعبر عشرات السنين من الاحتلال أن يحولنا إلى مستهلكين، ويمنع أي محاولة تصل بنا إلى الاستغناء عن الاحتلال في أي مجال من المجالات، بل وزاد المفاوض الفلسطيني الطين بلة عندما وقع على اتفاقية باريس الاقتصادية التي تشرع للمحتل سيطرته المحكمة على جميع النواحي الاقتصادية لدينا، وتمنعنا من الاستقلال أو الاستغناء عن المحتل، حتى نظل نعاني القهر والمرارة، لذا أصبح من الواجب علينا اليوم أن ننفض عنا غبار التبعية وأن نشرع في الاستقلال الاقتصادي حتى نصل إلى الاستقلال السياسي والحرية المطلقة.