من المعروف أن الفصائل الفلسطينية تحكمها لوائح تنظيمة تنظّم الحياة داخل المعتقل بصورة تضع المعتقل أمام مسؤولياته، وتحتوي هذه أيضًا على عقوبات صارمة لكلّ من يتجاوز حدوده ويعتدي على غيره، لأن هذا إن تُرك دون ضبط تحوّلت الحياة الاعتقالية إلى فوضى عارمة وصارت جحيمًا لا يُحتمل، وهناك أيضًا ما ينظّم العلاقة الفصائلية ويجعل منها صفًّا واحدًا في مواجهة سياسة السجان ومحاولاته القذرة الدائمة لاختراق الصف الاعتقالي والعبث فيه، وقد توصّلت خبرات الحركة الأسيرة المتراكمة إلى أعراف وقوانين من شأنها أن تحافظ على الحقوق والواجبات وأن تضح حدًّا حاسمًا لكل التجاوزات والتصرفات الخارجة عما تعارفت عليه الحركة الأسيرة من قيم وقوانين وأعراف، ومن هذه التجاوزات أن يستخدم أحد الأسرى مثلًا يده في حلّ خلاف مع أخيه، عندئذ عليه أن يتلقّى ما نصّت عليه اللوائح من عقوبات رادعة تجعله وتجعل غيره التفكير ألف مرة قبل أن يستخدم يده في الاعتداء على غيره.
ما حدث في موضوع المعتقل معتصم زلوم منظّر الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت عندما أدخلته استخبارات السجن إلى قسم تابع لحركة فتح فقامت مجموعة منهم بالاعتداء عليه وضربه ضربًا مبرحًا على أعين إدارة السجن، ضاربة عرض الحائط بكل ما نصّت عليه اللوائح والأعراف الاعتقالية وضاربة عرض الحائط بأهداف الاستخبارات الإسرائيلية في ضرب النسيج الوطني الاعتقالي والواضحة للعيان وضوح الشمس في رابعة النهار، أقلّ ما يقال فيه: أنه عمل مدان ومستنكر وعمل همجيّ واستقواء عنيف من قبل مجموعة خارجة عن كل التفاهمات والأعراف والقوانين الوطنية في السجون.
وبالفعل فقد أدانته كل الفصائل وبما فيها حركة فتح لأن هذا لا يحتاج إلى أن يفتي فيه أحد، وكذلك فإنه عمل خطير قد يفضي إلى نتائج مدمّرة لا يرضى عنها أيّ حرّ وشريف ومنتمي للقضية الفلسطينية ولا يرى نقيضًا إلا في الاحتلال المتربّص بنا جميعًا.
وللعلم فإن هناك ما هو أخطر، فأمر إدخال عنصر تابع لحماس على قسم تابع لفتح لا يكون هذه الأيام إلا بنوايا سيئة من استخبارات السجن وقد يكون بتواطؤ من مسؤول هذا القسم وهذا ما سيكشفه التحقيق حالة تشكيل لجنة تحقيق.
وهذا الاعتداء مدان من عدة جوانب: الاعتداء نفسه، وكون هذا الاعتداء جماعيًا أي بقرار صدر من جهة عليا في التنظيم، ثم كون هذا الاعتداء في السجن والسجن نزلاؤه أسرى الحريّة وأسرى جاءوا على خلفية سياسية وطنية وليسوا أسرى جنائيين.
ولأن الإدانة وحدها لا تكفي فإنّ المطلوب لتطويق هذه الجريمة وهذا الخروج الصارخ عن كل أعرافنا وقيمنا الوطنيّة الآتي:
-
داخل السجون المطلوب تنفيذ قوانين اللوائح التنظيمية الداخلية فماذا لو اعتدى مجموعة بالضرب على فرد في داخل التنظيم الواحد، ماذا تفعل حركة فتح لو ضربت مجموعة من عناصرها عنصرًا فتحاويًّا، وهناك سوابق لمثل هذا الفعل. فوفق لوائح تنظيم فتح نفسه وما أعرفه هو أن يجلد كل المعتدين وفق ما تقرّه لوائح التنظيم وأعرف أن هذه اللوائح تحدّد عددًا من الجلدات تحقّق ردعًا كافيًا وكذلك فإنه يجلد أيضًا كلّ من ساهم وشارك في إصدار أوامر أو تعليمات أو حرّض أو من اتخذ القرار الذي يفضي إلى استخدام العنف، ولضمان تنفيذ هذه العقوبات تشكّل لجنة فصائلية تحقّق في الأمر وتتابع تنفيذ الأحكام. وهذا كنت شاهدًا عليه في حالات اعتداء حصلت سابقًا في السجون.
لذلك فإن استخدام العنف نادرًا ما يحدث في السجون لأن العواقب وخيمة وصارمة ورادعة فلا تجعل مجالًا لأحد أن يفكّر باستخدام العنف إلا نادرًا. وفي هذا تحقيق لحياة مستقرّة ليس من السهل أن يعبث فيها أحد أو تعبث بها استخبارات السجون المتربّصة دائمًا والحريصة على ضرب الاستقرار والنسيج الوطني الجامع للحركة الأسيرة.
-
خارج السجن وكي لا يكون هناك تداعيات لا يحمد عقباها فلا بُدّ من تحرّك أهالي المعتدين وإدانة ما فعله أبناؤهم ثم إبداء استعدادهم التام للوقوف أمام مسؤولياتهم في الحق العام المترتّب على ارتكاب هذا الاعتداء.
-
لا بدّ من وقوف الفصائل الوطنية والإسلامية كافّة وقفة واحدة لا تقف عند حدود الشجب والاستنكار بل تتخذ مواقف معلنة واضحة تشكّل الردع الكافي لمثل هذه الاعتداءات.
-
لا بدّ من موقف المؤسسات الحقوقية والعاملة في ميدان الأسرى وإصدار بياناتها الرسمية.
-
المطلوب من هيئة شؤون الأسرى موقف واضح حيث هي الجهة الرسمية الراعية لشؤون الأسرى في داخل السجون.
-
وللأسرى المحرّرين أيضًا دور في تطويق هذا الفعل المشين بإنكاره وإدانته والتوضيح للناس خطورة الأمر وخطورة ما فعلته هذه المجموعة من تجاوز خطير لما تعارفت عليه الحركة الأسيرة على مدار تاريخها الطويل.