انتهت الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت بفوز غير مسبوق للكتلة الإسلامية، الممثلة لحركة حماس، حيث حصلت على 28 مقعداً، في حين حصلت الشبيبة الفتحاوية على 18، والقطب الطلابي الممثل للجبهة الشعبية على 5 مقاعد، وهذا الفارق الكبير بين الحركتين الطلابيتين الرئيسيتين لم يحدث من قبل، وهو ما دفع البعض خاصة من أنصار حركة حماس لاعتباره زلزالا انتخابيا.
وتنبع أهمية انتخابات جامعة بيرزيت من كونها -من وجهة نظر كثيرين- الأكثر تعبيراً عن المزاج الحقيقي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، لأنها وإن كانت تمثل نخبة طلابية، إلا أن هؤلاء الطلاب قادمون في النهاية من خلفيات اجتماعية متعددة، وممتدة على امتداد كثير من مناطق الضفة.
ويمكن استنتاج أهمية انتخابات جامعة بيرزيت من حجم الاهتمام الذي تلقته من قبل التنظيمات الفلسطينية، التي تابعت تلك الانتخابات بشكل مكثف، ومن قبل السلطة الفلسطينية، وكذلك من قبل الاحتلال الصهيوني الذي تدخل بشكل فج في تلك الانتخابات عبر اعتقال سبعة من قيادات الكتلة الإسلامية، وعبر إرساله رسائل لأولياء أمور الطلبة تدعوهم لمنع أبنائهم من التصويت للكتلة الإسلامية.
ويظل السؤال هنا: لماذا فازت كتلة حماس في تلك الانتخابات، ولماذا خسرت كتلة فتح، وكيف تقرأ السلطة ذلك، وما أسباب تلك النتيجة؟
بداية لا بد أن نقرر أن مجرد إجراء هذه الانتخابات فوز كبير للشعب الفلسطيني، الذي عبّر طلابه بوضوح من خلال تلك الانتخابات عن مجموعة من الحقائق الراسخة، وهي: رفض الإقصاء، فرغم الحملة الشرسة التي شنتها أجهزة أمن السلطة على حركة حماس طوال 16 عاماً، ورغم التشويه، وكيل الاتهامات، وتجفيف المنابع المالية والمؤسساتية، وحجب الصورة والكلمة، ومطاردة الرايات الفصائلية، وعقاب كل من يؤيد الحركة عبر سياسة قطع الرواتب، كل ذلك لم ينجح في تغييب حركة حماس، وما زالت قوية، وحاضرة، وقادرة على الفوز، وما زالت جماهير الشعب الفلسطيني مؤمنة بها، مرتبطة بمشروعها.
كما أن حركة فتح ورغم ما وقعت فيه السلطة من إشكاليات خطيرة، كقتل نزار بنات، وإخفاقاتها الأمنية في مواجهة الجريمة، وفشل مشروعها السياسي، وتأجيلها للانتخابات التشريعية، إلا أنها ما زالت حاضرة، وقادرة على تحقيق نتائج مهمة، بلغت 35% من أصوات الطلبة في الجامعة، وكذلك كانت الجبهة الشعبية حاضرة حيث حققت ما يصل إلى 10%، وهذه النتيجة تؤكد حقيقة مهمة، وهي استحالة نجاح أي طرف في إقصاء الآخر وتغييبه.
وهو ما يعد رسالة واضحة للسلطة كونها الحاكم الفعلي في الضفة إلى ضرورة تغيير طريقة تفكيرها، والإنصات إلى الآخرين، والاعتراف بحقهم في الاختلاف، والتعبير عن رأيهم، والتوقف عن توجيه الاتهامات لكل من يختلف معها، وأول ما يجب أن تبدأ به؛ إدانة السلوك الإجرامي المتمثل في ضرب مناظر الكتلة الإسلامية، والاعتداء عليه، وهو الأمر الذي ما زالت فرصته ممكنة حتى اللحظة، كذلك يمثل رسالة واضحة للسلطة بضرورة العودة للانتخابات الشاملة، في التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، لأنها المسار الوحيد الذي يمكن من خلاله لأبناء شعبنا التعبير عن مواقفهم بشكل حقيقي ونزيه.
كما أن من رسائل تلك الانتخابات أن نسبة كبيرة من أبناء شعبنا، وخاصة شبابه يرفضون المشروع السياسي للسلطة، ولا يؤمنون بالتنسيق الأمني، وينتظرون بشغف لحظة العودة لحمل لواء المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما يستدعي أن ترفع السلطة يدها وبشكل حقيقي عن الراغبين في مقاومة الاحتلال، فقد فشل مشروعها فشلاً ذريعا، وها هي تنحدر من خسارة إلى خسارة، ومن ضعف إلى ضعف، بينما منافسوها السياسيون تتصاعد قوتهم، وذلك لإيمان الجماهير بمشروعهم المقاوم، فهل تستجيب فتح لذلك، وتنقذ نفسها من مصير واضح، تتجه إليه قيادة السلطة، وتأخذها معها إلى ذلك المصير.
وأخيراً كانت تلك الانتخابات تعبير عن عناد الشعب الفلسطيني، وعدم خوفه من أي تهديد، وأنه مصرّ على حمل راية المقاومة، ورفع من يرفعها، لقد كانت نتيجة الانتخابات فوزاً لمنطق الدفاع عن الأقصى، ومنطق تأييد العمليات البطولية، والتحريض عليها، وفوزاً لمنطق مراكمة القوة، وتطوير الصواريخ، وقصف تل أبيب، كانت رداً على الاحتلال الذي اعتقل قيادات الكتلة، وهدد من ينتخبها، لقد تلك النتيجة خسارة كبيرة للاحتلال وحده، وفوزاً كبيراً للشعب الفلسطيني بكل مكوناته، بما فيها فتح، وحماس، والجهاد، والجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرها.