فلسطين أون لاين

نالت جائزة ملتقى المثقفين واتحاد الكتاب والأدباء

تقرير "يس".. رواية فلسفية تستنهض وعي الضحية كعائق أمام التحرير

...
غزة/ هدى الدلو:

توجت رواية "يس" للشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم بجائزة أفضل عمل أدبي عن مدينة القدس المحتلة لعام 2022، والتي يمحنها ملتقى المثقفين المقدسي والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

الرواية المعنوية "يس" برسمها القرآني نسبة إلى قرية دير ياسين، وسورة "يس"، والبطل ياسين، تنطلق من نظرة مغايرة في ملامح المجزرة وتأويلاتها النفسيّة ما بين الفعل الثابت ودوائر الحركة، في حيّز التداول اليوميّ للصورة المعلّقة على جدار الذاكرة.

يقول أبو سليم: إن الرواية جزء من مشروعه الذي يتحدث عن الأوضاع الفلسطينية ومأساتهم، ومسارات تلك القضية، "وما يميِّز هذا المشروع باعتقادي أنه لا يأخذ الوقائع كمسلمات بقدر ما يحاول أَن ينبش في ما ورائها، أي محاولة لتسليط الضوء برؤية فلسفية على التفاصيل التي ربما لا ينتبه إليها الكثيرون، وإعادة دراستها ضمن المنطق الرِّوائيِّ-الفلسفيِّ، وما يسمح به فنيًا".

ويشير إلى أن بنية الرواية تستند على منطق الضحية وما يمكن أَن يشكله من عائق كمفهوم أمام عملية التحرير، وذلك لاستنهاض وعيه الرافض لفكرة تماهي الضحيّة مع مظلوميتها، دفعاً لمحاولات إعادة التموضع لكلّ العناصر المتناقضة، المُستَعمِر والمستعمَر، الجلّاد والضحيّة، الغالب والمغلوب، وذلك لأنّ "الضحيّة بوصفها ضحيّة لا يمكن لها أن تنتصر".

يوضح أبو سليم مقصده بالقول: "الضحية كونها ضحية لا يمكن لها أَن تنتصر، وقد كانت مجزرة دير ياسين هي النقطة المؤسسة التي افتتحت بها العصابات الصهيونية سلسلة المجازر التي تلتها، من أَجل تثبيت هذا المفهوم بالذات، لذا فإن الرواية التي تبدأ بدير ياسين، تنتهي بمجزرة صبرا وشاتيلا".

وبخلاصة متصلة بشريط زمني يقول الروائي الفلسطيني في الصفحات الأخيرة من الرواية "ربّما آن الأوان كي نخرج من البرواز، (...) ربّما آن الأوان كي نخرج من صورة المعركة إلى المعركة، من صورة الوطن إلى الوطن، من رواية الرّواية إلى الرّواية، من صورة البيت ومفتاحه إلى البيت".

وعي عكسي

تتكون الرواية من خمسة فصول: المجزرة، والمخيم، والسجن، والخال، والصُّورة، هذه هي عناوين فصولها، ويوضح أنه كونه أَمام مجزرة حقيقية فلا يمكن أن يقفز عن الواقع، "أَعني التاريخ"، لذا كان الفصل الأول استعراضًا لتفاصيل المجزرة الدقيقة، وهو محاولة للخروج من التجريد الذي يصاب به العقل البشري مع الزَّمن.

صمت أبو سليم لثوانٍ معدودة ليتابع حديثه: "باعتقادي مجزرة دير ياسين بتفاصيلها المجنونة هي أكثر المجازر في تاريخ البشرية إيلامًا، لكن ذلك لا يعني أَبدًا أن أَهل القرية لم يدافعوا عنها حتى الرمق الأخير، وكادوا أَن ينتصروا لولا تدخل الهاغاناه عند الظهر وقصف القرية".

تنبني الرواية على شخصية رئيسة، بطلها اسمه ياسين، على اسم خاله، يولد في الأول من نيسان عام 1948، أي قبل المجزرة بثمانية أيام، ويكون هو الطفل الوحيد الناجي من مجموعة أَطفال تم إلقاؤهم من فوق السور وقتلهم، لذا، فهو يعتقد أَن حياته مجرد كذبة، وأنه قد يكون شخصًا آخر غير ذلك الشخص الذي تصر جدته على أنه هو.

ويسرد أبو سليم من أحداث الرواية بأنه في المخيم يكتشف الأطباء وهو في السادسة من عمره، أنه مصاب بورم يؤثر على العصب البصري، ويجعله يرى الأشياء بالمقلوب، من هنا تتشكل لديه معرفة مقلوبة، ووعيًا بالواقع بصورة معكوسة، ويخبر الأَطباء جدته أن إزالة الورم من شأنه أَن يؤدي إلى موته، يبدأ ياسين بتفسير الواقع بناء على الرؤية في المرآة، والعلاقة بين الصورة والأصل، ونظرية المثل لأفلاطون، ويخرج بنتائج كثيرة تعيد رؤية هذا الواقع بشكل مختلف.

ويلفت إلى أنها رواية تحاول أَن تقول أشياء كثيرة من خلال ما نعرفه، وما لم ينتبه إليه من هذه المعرفة.

وسبق لأبو سليم أن كتب رواية عن القدس تحمل اسم "كوانتوم" وتدور أَحداثها في المدينة المقدسة أيضًا. 

السردية الفلسطينية

أما عن سبب تمسكه بروايات القدس فيؤكد رغبته في تثبيت السردية الفلسطينية، "فنحن بأمس الحاجة لنشر هذه السردية، خصوصًا في ظل الهجمة الإعلامية المسعورة التي يقوم بها العدو بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، وخروج أَصوات نشاز تدافع عن السردية الصهيونية، وتهاجم الفلسطيني وتحاول طمس سرديته".

ويشدد على أن الفلسطينيين اليوم بأمسّ الحاجة لنشر هذه السردية على أَوسع نطاق في العالم، لأن العدو يحاول أن يجد دائمًا مبررًا أَخلاقيًا لاحتلاله لفلسطين، وقتله الفلسطينيين، ولا يوجد من هو أَهم من الفلسطيني ذاته كي يدافع عن سرديته.

واختار أبو سليم اسم "يس" بهذه الكتابة القرآنيَّة كون ذلك يندرج ضمن تقديس هذه السردية، وقد استغرق مدة تسعة أشهر في كتابة الرواية.

وعن الجائزة التي توجت بها الرواية يقول: "شعرت بشعور عظيم في الحقيقة، وهو يطرح على عاتقي المزيد من المسؤولية تجاه ما أكتب، إن حمل اسم القدس، وفلسطين، على عاتق الكاتب ليس أمرًا هينًا، إذ إن القارئ ذكي، ويقف دائمًا للكاتب بالمرصاد، ويحاسبه على أقل الثّغرات، والهفوات، فما بالك إن كان الأمر متعلقًا بفلسطين، وبالقدس بالذات بكل ما تحمله من قدسية في صدر كل إنسان حر شريف؟".

وأحمد أبو سليم، شاعر وروائي فلسطينيُّ الأَصل، ولد في مدينة الزَّرقاء في الأردن لأَبوين فلسطينيَّين، عاش في المخيَّم، وتلقى تعليمه الدراسي هناك، أنهى دراسته العليا في موسكو، في جامعة الصَّداقة بين الشُّعوب، كلية الهندسة، مارس الكتابة منذ كان صغيرًا، أَصدر حتى الآن خمس مجموعات شعرية، وخمس روايات، وثلاثة كتب مشتركة، ويكتب المقالة في بعض المواقع والصُّحف.