نشعر بالمرارة والحسرة كلما مرت علينا ذكرى نكبة فلسطين في ١٥ مايو من كل عام، ونتذكر وعد بلفور في عام ١٩١٧، الذي قدم فلسطين للصهاينة على طبق من ذهب وقد أعطى "من لا يملك لمن لا يستحق"، ونتذكر هزائم العرب في حروبهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وقد أثرت في نفوس الفلسطينيين لما لحقت بهم من أضرار فادحة على القضية الفلسطينية التي لا تزال في تراجع مستمر بسبب تخاذل الموقف العربي الرسمي، بل وتواطؤ البعض منهم سرا وعلانية مع الاحتلال، ولعل أهم سبب للتقهقر العربي تلك الهزائم المتلاحقة التي مني بها العرب في حروبهم "المهلهلة" التي خاضوها مع (إسرائيل)، أولاها تمثلت في أكبر هزيمة للعرب في العصر الحديث بما عرف بالنكبة عام ١٩٤٨، حيث استطاع الصهاينة تأسيس كيانهم الاحتلالي في فلسطين قلب الأمة.
تتذكر عمليات التطهير العرقي والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني كان أشهرها مجزرة دير ياسين التي قتل فيها ما يقارب ٣٠٠ فلسطيني، والتهجير القصري لنصف الشعب الفلسطيني أي ما يقارب ٨٠٠ ألف فلسطيني وقد تم إفراغ نحو ٧٧٥ قرية ومدينة فلسطينية (كليا أو جزئيا)، ليسهل تهويدها فيما بعد كما شرع الاحتلال في التوسع ببناء المستوطنات والتوسع شيئا فشيئا على حساب الأراضي الفلسطينية.
نتذكر الهجرة الثانية للشعب الفلسطيني في عام ١٩٦٧ بما عرف بالنكسة (حرب حزيران/ الأيام الستة)، حيث استطاعت (إسرائيل) احتلال ما يقارب ٨٠ ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين وهي: الضفة والقطاع وشبة جزيرة سيناء والجولان، في حينه عمل الاحتلال على تثبيت الردع في ذاكرة العرب كي يتوارثوه جيل بعد جيل، وبالفعل هذه القاعدة ترسخت لعقود طويلة في نفوس وعقول ووجدان العرب، بأن هذا الكيان عصي على الهزيمة، لما لديه من تفوق عسكري وقوة لا تضاهيها أي قوة في المنطقة، وليس بمقدور العرب هزيمته حتى لو توحدوا جميعا لخوض معركة أخرى من أجل الدفاع عن فلسطين. ومنذ ذلك الحين دخلت القضية الفلسطينية في نفق مظلم، فبعض الأنظمة العربية ركبوا موجه التطبيع، وقد شطبوها من ذاكرتهم القديمة لاءات الخرطوم بعد النكسة وهي: (لا تفاوض ولا صلح ولا تطبيع).
الآن تمر الذكرى الرابعة والسبعون على النكبة والشعب الفلسطيني لا يزال محتلا وما تبقى من فلسطين التاريخية أقل بكثير مما قيل عنه في اتفاق كامب ديفيد في عام ١٩٧٧، وقد زاد اتفاق أوسلو "الطين بلة"، بتفاقم حياة الفلسطينيين سوءا بسبب التوسع والتمدد الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحقيقة أن كل ما جلبه الاتفاق بعد تصنيف المناطق (أ وب وج) هو فقط ٢٠٪ (للتفاوض عليها)، والباقي تحت السيادة الإسرائيلية.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على الساحة الفلسطينية، ماذا حقق اتفاق أوسلو للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بشكل عام؟! فبغض النظر عن العلم والبساط الأحمر والقنصليات والنشيد الوطني.. إلخ. فهذه الأمور هي بروتوكولات وإجراءات روتينية أعطانا إياها الاحتلال، وفي المقابل ألزم السلطة بالتنسيق الأمني لضمان أمنه وأمن المستوطنات في الضفة الغربية.
ليس هذا فحسب، بل إن مساوئ اتفاق أوسلو لا تعد ولا تحصى، لا أريد الدخول في تفاصيل الاتفاق والتعمق في نصوصه التي هي بمنزلة نكبة أخرى على الشعب الفلسطيني، لكن ما أريد طرحه هو الشيء الذي يخطر الآن ببال كل فلسطيني بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على الاتفاق وقد حلت علينا هذه الذكرى الأليمة، ماذا عن مدينة القدس والأقصى بالتزامن مع المعارك التي تدور رحاها الآن مع الاحتلال الصهيوني؟ كما أريد طرح السؤال الذي يدور ببال كل لاجئ فلسطيني: ماذا عن حق العودة الذي قطع أشواطا طويلة من القرارات الأممية التي أقرته حقا ثابتا يلزم الاحتلال بتطبيقه، لولا أن تم إلحاق هذين الملفين (القدس واللاجئين) بعدة قضايا رئيسة أخرى للتأجيل إلى إشعار آخر، وقد ضربت سلطات الاحتلال اتفاق السلام بعرض الحائط، فلا حصل الشعب الفلسطيني على دولة ولا حتى دويلة ولا سنغافورة ولا أي شيء مما وعد به، أما مدينة القدس فقد اعترفت بها إدارة ترامب عاصمة للاحتلال، وأما حق العودة فقد سعت الإدارة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تصفية الوكالة "أونروا" بوقف دعمها ماليا.
أعتقد أن الشعب الفلسطيني في هذه الذكرى للنكبة أقرب من أي وقت على مدار ١٥ عاما الماضية من الانقسام وهي أسوأ حقبة على الإطلاق منذ النكبة، بالرجوع إلى وحدة الصف والعمل المقاوم المشترك ضد الاحتلال، وقد تغير اليوم مفهوم القوة والردع، على الأقل لدى الفلسطينيين بإمكانياتهم المتواضعة الذين استطاعوا بعد مقاومة استمرت لعقود طويلة مرغت انف الاحتلال، وكبدته خسائر جسيمة وكشفت وجهه الدموي الحقيقي للعالم، وقد حققت عليه الانتصار تلو الانتصار وهو يجر خلفه ذيول الخيبة في كل حرب شنها على غزة.