لا يوجد ما هو أكثر بشاعة وألما وقهرا وفظاظة وسادية وتوحّشا وإجراما من إطلاق رصاصة من جنديّ مدجّج بالسلاح على رأس مدنيّ مسالم. وهذا الفعل هو ملخّص لقصة الاحتلال معنا:
رصاصة في الرأس كتلك الرصاصة التي غرسوها أخيرا في رأس من تجهر بحقيقتهم: شيرين أبو عاقلة ولم تكن هذه هي الرصاصة الأولى ولن تكون الأخيرة.
رصاصة غرسوها في قلب الأمتين العربية والإسلامية واحتلوا بها القدس وفلسطين، وبقيت ألما نازفا منذ ذلك الحين.
رصاصة غرسوها في رأس القضية الفلسطينية لتتحوّل إلى قضية لاجئين على موائد قوى الاستكبار العالمية وفتات موائدهم المتخمة ببترولنا والذاهبة بعيدا عن مركزية القضية.
رصاصة غرسوها في العقل العربي فرحل إلى التطبيع والتعاوليديش والبحث عن نجاة الرأس وبقاء العروش المتعفّنة التي طال عليها الأمد فأسنت وصَدِئت وصارت عميلة حتى النخاع.
رصاصة غرسوها في العقل الأوروبي والغربي الذي أسلم أمره إلى العقل الصهيوني وسار في ركابهم وانحرف حيث أرادوا له أن ينحرف، لم تسعفه حقائق كثيرة كانت آخرها أوكرانيا وفضيحة ازدواجية المعايير عندما تقارن بما يحصل في فلسطين بينما ما زالت بريطانيا تصرّ على وعد بلفور وتحتفل بمئويته!
الاحتلال كلّه يُلخّص في هذه الرصاصة، لا يعرف إلا الإجرام والقتل وليس في أجندته إلا متى تنطلق الرصاصة، وأين؟ كلنا ننتظر هذه الرصاصة على قائمتهم السوداء، كلنا آتيه دوره ولا مناص منها أبدا، وحتى الذين يلقون إليهم السّلم، أولئك الذين يسالمونهم فإنهم لا يسلمون من رصاصهم، لأن المطلوب هو النزول الدائم في سقفنا إلى درجة لا تحتمله نفوس الأدنى فينا، فهذا الاحتلال غوايته خفض الرؤوس إلى أن تتمّ تسويتها بالأرض حتى يصبح بطن الأرض أفضل لمن تابعهم من ظهرها، فإن توقّف كان له الرصاصة في الرأس كي تنقله كرها تحت الأرض بعد أن رفض طواعية.
فرصاصة الاحتلال بانتظارنا جميعا ولا تفرّق بيننا، كلنا سواسية أمام رصاصة الاحتلال وهذه من مزاياها الجيّدة لكل من يعقل حقيقة هذه الرصاصة، فالاحتلال مجتمع وموحّد برصاصة واحدة، يفعل فعل الرصاصة ولا يجيد غير ذلك.
فالاحتلال هو الرصاصة التي تنغرس في اقتصادنا فتفسده، فاتفاقية باريس الاقتصادية كانت أجمل رصاصة غرست في رأس اقتصادنا فقتلته ولم تبق ولم تذر سيادة ولا ريادة ولا أيّ مجال للتطوّر أو النهوض، أحكمت تكبيله وتركتنا مقطورة صغيرة لاقتصاده المتطاول علينا في كلّ شيء.
والاحتلال هو الرصاصة التي تنغرس في سياستنا المسقوفة باتفاق أوسلو العظيم الذي آلت أموره إلى أفق مسدود وانقسام مشئوم ومراوحة في المكان ذاته كالبرغي الذي ذاب سنّه "البايز".
والاحتلال هو الرصاصة التي انغرست في كل الملفات وحدّث ولا حرج: الأسرى منهم من تتجاوز سنين حبسته الأربعين، والاستيطان يتضاعف أضعافا مضاعفة والمداهمات والاعتقالات وتدنيس المقدسات وكل التوغّلات والممارسات كلها رصاص في الرأس.
لقد كشفت الرصاصة التي اغتالت من تكشف حقيقة الاحتلال شيرين أبو عاقلة أن الاحتلال ما هو إلا تلك الرصاصة، وكلّنا ننتظر ذات المصير إلا:
ألا ننظر إلى الاحتلال إلا أنه رصاصة تنتظر الفرصة لقتلنا الواحد بعد الآخر فرادى وفصائل وجماعات وأحزاب.
ألا نعد هذه الرصاصة قدرا علينا، بل بإمكاننا مواجهتها وتجهيز أنفسنا للردّ عليها ولا سبيل لردّها إلا هذا السبيل.
أن نتخلّص من كل رصاص الاحتلال المنغرس في عقولنا وأفكارنا وسياساتنا واقتصادنا وأرواحنا وأخلاقنا، وما فعله زمن الاحتلال الأسود في نفوسنا وحياتنا.
الكلمة الحرّة مهمة جدا في مدافعة هذه الرصاصة ولكن يبقى أن يجتمع معها الإرادة الحرّة والفعل الحرّ وبرنامج العمل السياسي الحرّ.