يوم الحادي عشر من مايو ينبغي أن يكون في ذهن العالم كيوم الحادي عشر من سبتمبر، إنه يوم اللحظة الفارقة التي ستنتصب فيها أشرعة الحقيقة بأدلة الدم المسفوك.
إنه يوم سيفتح الأعين أمام الحقيقة التي كنا نقاتل من أجل بيانها للناس في هذا العالم الظالم أنهم يقتلون أبناءنا وبناتنا، ويدمرون حياتنا وبيوتنا، ويأخذون منا كل شيء، وأنهم قتلة مجرمون جبناء بلا شرف، وأنهم لا يستحقون سوى أن نعاملهم كعصابة خارجة عن القانون.
اليوم سيستنفر هذا الاحتلال كل أدواته وعلاقاته ليبرّئ نفسه مما فعلته يداه، وسيستدعي آلاف الأجهزة والشخصيات والصور والعقول والمعاهدات وتفاهمات الظلال الآثمة ليس لطلب البراءة فحسب، وإنما لرمي التهمة وتحويرها وتحقيقها على المظلوم الذي كان يتعرض للموت مع شيرين التي كانت خلف خطوط الاشتباك تحاول الوصول إلى الحقيقة.
اليوم سيكون يوم تمييز الصفوف بين نبلاء ما يزالون يؤمنون بصحافة حرّة، وأُجَراء سيؤدون وظيفتهم الحقيقية طامعين بدعم سخيّ، وفي نفوسهم قرار ابتزاز هذا الاحتلال وشركائه – وهم في حالة دفاع- ليدفعوا لهم أكثر مما تفاهموا عليه في أروقة الظلام.
كانت الحقيقة أمام عيني شيرين بازغة قوية لكن لا ينبغي لصحفي أن يرسم الحقيقة على مقاس تفكيره أو مشاعره أو مواقفه، بل على ما تقوله كاميرته وتسجيلاته وبيانات كل فريق، أو أن يأتي بدليل قاطع موثق يمكن الاحتجاج به، فقد كانت شيرين قبل ظهورها أمام الشاشة نقيّة على طبيعتها تدعو على هذا الاحتلال وتنعى عليه وتعرف حقيقته، لكنها لحظة مقابلة جمهور الجزيرة تتأبّط وظيفتها وتحاول أن ترسم مشاهد ما تراه في الميدان وتنقل إلى الناس مشاهداتها وكأنها ليست هي شيرين، حتى إننا اختلفنا معها مرات وطالبناها أن تكون أكثر وضوحاً وتركيزاً، رغم أننا نشهد أنها في العموم كانت تصوّب نحو الحياد الإيجابيّ في محاولة صعبة للبقاء في ميدان إعلاميّ يتحكم هذا الاحتلال بجغرافية الانتشار فيه.
لقد اكتسبت شيرين من سنوات خدمتها الميدانية الطويلة في الجزيرة خبرة متقدمة في التعامل مع الميادين المفتوحة ومناطق الاشتباك، ونعلم أنها ما كانت لتختار لنفسها أو لفريقها موقعاً يتيح لأحد أن يدّعي خروج رصاصة طائشة نحوه، ولضرورات الميدان فإن الظهر الذي يكون أكثر أمناً هو جانب القوة الرسميّة التي يمثّلها جيش الاحتلال على هذه الأرض المحتلة بحكم التزاماته الرسمية، وهذه الرصاصة التي اتجهت مباشرة إلى رأس شيرين أرادت أن تقتلها هي، وهي رصاصة تهديدية تعطي رسالة لكل صحفي على الأرض أنك ستموت لو حاولت تجريب مصداقيتنا في احترام الصحافة لحظة دخولنا في تحدّي المصداقية.
كنت أحبّ لشيرين أن تختم مسيرتها في القدس التي تعلّقت بها، ومهرت في تقديمها، لكن هذا الختام المدوّي على مشارف جنين المشهورة بإبائها النبيل وصمودها العنيد منحها شرف فلسطين بكل ما تمثله من عدالة وحرية وإرادة في مواجهة احتلال شرس يسانده عالَم ظالم بشع.
هذا اليوم هو يوم شيرين أبو عاقلة المسيحية العربية الفلسطينية المقدسيّة، هذا يوم من أيام فلسطين المظلومة، وهذا يوم من أيام تجدّد الروح وانتفاضة الإرادة، وهو يوم لن يذهب سدى يا شيرين، فسنحييه بكل ما أوتينا من قوة.