في وقتٍ تشهد فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي صراعات وتجاذبات سياسية مختلفة، ومحاولة المتطرفين استباق الزمن للاستيلاء على المسجد الأقصى وتهويده، دق الرئيس الأسبق لحكومة الاحتلال إيهود باراك جرس الإنذار أمام تلك الأحلام والمساعي والمخططات التي يسعى الاحتلال لفرضها منذ احتلال فلسطين عام 1948.
مع اقتراب وصول دولة الاحتلال لعقدها الثامن، بات باراك متخوفًا من زوالها، ووصف ما يجري بأنه "نقمة العقد الثامن"، مردفًا أن (إسرائيل) تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء، وسط تحذيره من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد في الشرق الأوسط.
وقال باراك في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إنه بعد مرور 74 عامًا على إنشاء (إسرائيل) على أنقاض فلسطين المحتلة "أصبح من الواجب حساب النفس"، معتبرًا أن (إسرائيل) أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي.
لكن المختص في الشأن الإسرائيلي باسم أبو عطايا يرى تصريحات باراك تمثيلًا حقيقيًّا لما يجري في المجتمع الإسرائيلي بين تيارات مختلفة من اليمين واليمين المتطرف والمركز والوسط واليسار، في ظل تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية التي أوجدت حالة من التجاذب السياسي والخلافات بين تلك المكونات وطريقة التعامل مع القضية الفلسطينية.
وقبل باراك، تحدث الرئيس السابق لحكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير أن الاقتراب من مئوية دولة الاحتلال يعد معجزة، ما يدلل على وجود خوف متجذر، ويريدون أن تكون الدولة العبرية الثالثة هي من تتجاوز العقد الثامن، باعتبار أن الدولتين الأولى والثانية لم تتجاوزا عقدهما الثامن، كما تحدث أبو عطايا لصحيفة "فلسطين".
مخاوف كبرى
وأضاف أن لعنة العقد الثامن جاءت من حالة سياسية تعيشها مكونات المجتمع الإسرائيلي وغياب القيادات والأحزاب التاريخية، وسقوط الحكومات المتتالي لدولة الاحتلال منذ 20 عاما خاصة في السنوات العشر الأخيرة، ما يدلل على أن الاستقرار الذي كان يحلم به الاحتلال والوصول للمئوية أصبح ضمن المخاوف الكبرى.
تصريحات باراك تأتي كذلك، بحسب أبو عطايا، ضمن التخوفات التي تسيطر على الكيان بأكمله، سواءً النظام السياسي أو حتى النظام الديني، لذلك يحاولون بشكل كبير ويسابقون الزمن للاستيلاء على المسجد الأقصى وبناء "الهيكل" المزعوم كما يعتقدون، لأنهم يدركون أن كلما مر الوقت فإنهم يصلون لمرحلة النهاية الحقيقية لكيانهم.
وهذا يدلل، والكلام لأبو عطايا، على عدم يقينهم أن هذه الدولة هي الواردة في توراتهم، لافتا إلى أن تسلل الشك إلى نفوس المجتمع الإسرائيلي جزء مما غرسته المقاومة فيهم.
وتبدي أوساط إسرائيلية قلقها من التبعات بعيدة المدى لتصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس الآنية فقط، لا سيما على صعيد مستقبل الصراع مع الشعب الفلسطيني، وإمكانية انهيار السلطة الفلسطينية، وموت خيار "حل الدولتين"، ونشوء سيناريو الدولة الواحدة، ما يشكل وصفة سحرية لـ"تبخر الحلم الصهيوني بإيجاد دولة يهودية صرفة".
الجنرال السابق في جهاز استخبارات الاحتلال "أمان" مايكل ميلشتاين ذكر أن هناك سيناريو واحدا يزعج (إسرائيل) ويستحق إصدار التحذيرات الاستراتيجية، ويتمثل بانهيار السلطة واندلاع انتفاضة ثالثة، رغم أن أنشطة جيش الاحتلال والتنسيق الأمني الوثيق مع السلطة تعمل على استبعاد هذا السيناريو.
يقول أبو عطايا: إن الأوساط الإسرائيلية عندما تضع سقفًا للعمليات ويتوقعون استمرارها حتى نهاية عام 2022، فإنهم يخدعون أنفسهم، لأنهم يعلمون أن المقاومة لم تتوقف منذ نكبة 1948، بل تنتقل وتختلف أدواتها من مرحلة لأخرى.
ويعتقد أن حديث الأوساط الإسرائيلية محاولة لتهيئة الشارع بأن العمليات لا يمكن وقفها في المنظور القريب، ولا توجد طريقة لوقفها أو إنهائها.
اللافت في الأمر، وفق المختص ذاته، أن هذه العمليات تأتي في ذروة الاستنفار الأمني، ومع ذلك فإن الخوف يكمن لديهم في وجود حكومة ضعيفة برئيس ضعيف يفكر كما يفكر المحللون والصحافة دون أن يكون لديه تصور ورؤية لما بعد ذلك.
ويعتقد أبو عطايا أن وجود حكومة ضعيفة قابلة للسقوط يجعل مسألة الشعور بالأمن والاستقرار في غاية الصعوبة، مردفا: "نحن أمام مرحلة مختلفة، إما أن تذهب الحكومة للتصعيد لإثبات نفسها أمام الشارع، أو أن تسقط وهو الأقرب".
عقدة تاريخية
وتعيش الحركة الصهيونية، بحسب العضو العربي السابق في "الكنيست" الإسرائيلي طلب الصانع عقدة تاريخية وهاجس الخوف من الاندثار، خاصة أنها لم تنجح في ترجمة واقعها الاحتلالي إلى واقع شرعي، فلا تزال تنتقص الشرعية الإقليمية والقبول العربي والفلسطيني، إذ يستطيع طفل فلسطيني يحمل حجرا أن يهدد دولة تعتبر نفسها عظمى.
ويقول الصانع لـ"فلسطين" إن تصريحات باراك تؤكد هذه المخاوف، بأن دولة الاحتلال ورغم قوتها العسكرية فإنها فشلت في الانتصار نفسيا، لأن هناك مقاومة ترفض الاحتلال، ما يؤكد أن هذه الدولة بنيت على باطل ولم تنجح في تحويل الواقع الذي فرضته بالقوة لواقع شرعي في المنطقة.
وأشار إلى أنه على مدار تاريخ الشعب اليهودي فإنه في الحالتين الأولى والثانية كان سبب انهيار المشروع اليهودي التطرف والصراعات الداخلية، معتقدًا أن دولة الاحتلال الآن تعيش حالة استقطاب وصراعات داخلية، وأن هذا هو التهديد الحقيقي لمشروعها.
على هذا الأساس، يستنتج الصانع وحتى كبار ساسة الاحتلال أنه لا توجد أفق للتطور ولا للمستقبل لهذا المشروع الذي بدأ يصل إلى النهاية، في ظل حالة الانقسام والتعدي على القيم الإنسانية والديمقراطية، والانقسام إلى مجتمع شرقي ومتدينين وعلمانيين، قسم منهم يتمرد على دول الاحتلال.
ويرى الصانع أن هذه الانقسامات هي بداية النهاية، ومن معالم مرض هذا المشروع أن نسبة من يغادرون دولة الاحتلال أعلى بكثير ممن يأتون إليها، باستثناء فترة الحرب الروسية الأوكرانية التي استغلتها الحركة الصهيونية في الاستقطاب، إضافة لتراجع نسبة المجندين بسن 18 سنة لنسبة 50%، وزيادة طلبات الحصول على جواز سفر مزدوج.