دوماً استخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي موضوع "معاداة السامية"؛ لمواجهة وإسقاط كثير من الانتقادات المحلية، والدولية، والفكرية، والسياسية، للصهيونية والاحتلال الغاشم، ولسياساته الخارجية أيضاً وقد ظهر هذا الأمر -في هذه المرة- جليًا في تصريحات رئيس الدولة "هرتسوغ" الذي لوّح بسيف "معاداة السامية"؛ لمواجهة تصريحات وزير الخارجية الروسي "لافروف" الذي أكد وجود نازيين في صفوف الجيش الأوكراني، وبأنه يعتقد بأن كون "زيلينسكي" رئيساً لأوكرانيا لا يعني عدم وجود نازية فيها، مضيفاً بأن بعض معادي السامية هم من اليهود، كما أن "هتلر" تسري في عروقه دماء يهودية.
فهل ستنجح قبة (إسرائيل) الحديدية في مواجهة الموقف الروسي؟
وكيف يمكن للروس الرد على الموقف الإسرائيلي؟
بداية لا بد من القول بأن تصريحات "لافروف" لا تندرج تحت أي بند من بنود "معاداة السامية" حتى بنسختها الموسعة والمفضلة على قادة "إسرائيل" أي كما عرّفها "التحالف الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود" 2015/2016 وهي: (تصور معين إزاء اليهود يمكن التعبير عنه بوصفه كراهية تجاه اليهود، وتوجه المظاهر الخطابية والمادية لمعاداة السامية، نحو الأفراد اليهود أو غير اليهود، أو ممتلكاتهم، أو كلاهما معاً، نحو المؤسسات المجتمعية والمرافق اليهودية) فلماذا يتهم "هرتسوغ" "لافروف" بــ"معاداة السامية" إذاً؟
قد يكون السبب الرئيس لذلك، هو استخدام ورقة "معاداة السامية" لمواجهة الموقف الروسي المتوقع والمنتظر تجاه تزايد الأدلة على تورط إسرائيلي أكبر من المعلن عنه في دعم القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية فيها، "فـإسرائيل" التي تتحدث عن ما يشبه بالحياد، أو الدعم المعنوي والإنساني (كالخوذ، والواقي من الرصاص) لأوكرانيا قررت في الآونة الأخيرة رفع مستوى الدعم دونما تفاصيل، ولكن التقارير الروسية تؤكد بأن مرتزقة إسرائيليين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية ، وهو أمر كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد كشفت عن بعض منه قبل حوالي الشهر، ولكن يبدو بأن ما لدى الروس من معلومات أكثر من هذا بكثير، وقد يشمل قيام (إسرائيل) بتقديم أدوات ومعلومات استخباراتية حاسمة للأوكران؛ أسهمت في قتل جنود وضباط روس، وقد تكون غيرت مسار بعض المعارك، الأمر الذي حدا بـ(إسرائيل) لاستخدام أقوى أسلحتها وهو "معاداة السامية" لكبح الغضب الروسي بعد أن فشل موقفها أو تكتيكها المعلن والخداع بالظهور بمظهر ما يشبه الحياد.
يتمثل النجاح الإسرائيلي في كبح الموقف الروسي؛ في ردع الروس عن التحرك الإيجابي لزيادة دعم أحد أو كل الأطراف الأربعة التالية، مما يمنع تدفيع (إسرائيل) ثمناً واضحاً لموقفها المعادي لروسيا على أرض أوكرانيا.
أما الطرف الأول: فهو دعم إيران سياسياً، واقتصادياً في موقفها من الاتفاق النووي، وزيادة النفوذ، وتصنيع الأسلحة الباليستية، وقد تكون الأوراق الروسية في هذا المجال محدودة التأثير لأنها قد استهلكت إلى حد بعيد.
روسيا تدعم إيران في مواقفها منذ البداية وهوامش زيادة الدعم الروسي لإيران، وبالتالي تدفيع (إسرائيل) ثمناً جديداً ومناسباً لموقفها من أوكرانيا هي محدودة.
أما إمكانيات تقديم روسيا دعماً إضافياً ومؤثراً لحزب الله بطريقة أو بأخرى، فهي إمكانات محدودة أيضاً منذ البداية، وقد لا يشكل الدعم الروسي الإضافي والمباشر للحزب أثراً مباشراً على (إسرائيل) خاصة في المدى المنظور.
أما زيادة الدعم الروسي للنظام السوري، وتمكينه بحيث يتمكن من مواجهة الهجمات الإسرائيلية المستمرة على أرض سوريا، وحرمان (إسرائيل) من حرية التحرك والاعتداء على المنطقة، فهو سيبدو الطريقة الأسهل نسبياً للروس؛ لتدفيع (إسرائيل) ثمنا لمواقفها في أوكرانيا، وعليه فهو الاحتمال الأرجح، كما أن (إسرائيل) تتوقع حدوثه في أي لحظة، وقد تكون قد استعدت له مبكراً وأعدت له البدائل.
في المقابل فإن دعم الروس للمقاومة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً، يتميز بثلاثة أمور وهي:
أولاً: أنه غير متوقع إسرائيليا لشدته، وعظمة معانيه قريبة وبعيدة المدى.
ثانياً: أنه صاحب الأثر المباشر والأسرع والأقوى على سياسات "إسرائيل" الاحتلالية.
ثالثاً: أنه الموقف الأكثر صعوبة، وخاصة في جانبه العسكري على الروس، واتخاذه يعني تحولاً حقيقياً في الموقف الروسي تجاه (إسرائيل) والقضية الفلسطينية.
أخيراً؛ يأتي هذا التحليل في ظل تراجع دور وأهمية المحددات التي كانت في السابق تلعب دوراً لصالح زيادة العلاقات الإسرائيلية-الروسية، ومن أهمها: حاجة (إسرائيل) للمهاجرين الروس، وإقناع روسيا بعدم جدوى دعم إيران، وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وذلك بالإضافة إلى تحسن البيئة الإقليمية والاستراتيجية لـ(إسرائيل) في المنطقة، والموقف الأمريكي الضاغط على (إسرائيل) لاتخاذ موقف أقوى ضد روسيا في أوكرانيا.