هو دأب الاحتلال دوما القفز عن حالات النجاح والانتصار التي حقّقها عشاق الأقصى ومحاولة إلهاء الشارع الفلسطيني والعربي وإدخاله ساحة ملعب صغير، لماذا الرايات الخضر ولماذا الشعارات الحزبية والفصائلية؟ ولماذا؟ ولماذا...؟
وهذا حرف واضح للبوصلة من جوهر الصراع حول الأقصى والتفاف الفلسطينيين كافة حول مسجدهم وحقهم الدائم للصلاة فيه إلى الجدل السياسي في فبركات تذهب عنا روعة المشهد الذي تكلّله روح الانتصار وكسر غطرسة الاحتلال، فلم يستطع الاحتلال بكل تضييقاته وإجراءاته القاسية منع مئات الألوف من الوصول للمسجد وصناعة الصورة العظيمة على ساحات المسجد الأقصى، فمن ناحية يجد المستوطن الحماية والرعاية الكاملة من شرطته وجيشه، ويجد كل أشكال الراحة والتسهيل، في حين يجد الفلسطيني كل ما لديهم من كيد ومكر لثني عزمه وصده عن المسجد، نجد صورة بضع عشرات من متطرفيهم يصلون المسجد بحماية وتكثيف امني منقطع النظير، مقابل مئات الألوف يأتون بتحدٍّ عالٍ، أرواحهم على أكفّهم وعلى استعداد عالٍ لتجاوز كلّ المشقات والتعقيدات التي يضعها الاحتلال في طريقهم نحو معشوقهم.
كل المظاهر التي يمكن أن تنتقد من هذه الجماهير العاشقة والغاضبة لا يمكن أن تنال من عظمة هذا المشهد الذي يجمع هذا التنوع الجميل: مناطقيا وعمريا وفصائليا، الكلّ الفلسطيني في الأقصى يصهر في بوتقة واحدة ويعبّر عن عشقه الفريد لهذا المكان المقدّس.
هذه الجماهير تعزف اوركسترا العشق والتعلق القلبي العميق والجميل بهذا المسجد وما يحمله من دلالات رمزية دينية وتاريخية ذات علاقة متينة لا انفكاك عنها أبدا، فالأقصى ليس فكرة أو قناعة بل هناك ما هو أقوى وأعظم وهو الإحساس المرهف والدقيق بما يحمل من أفكار ودلالات تاريخية ودينية واجتماعية وتراثية فلسطينية تأبى خفوت نجمها ولو للحظة واحدة.
ولا بدّ في سياق هذه الأوركسترا الشعبية العظيمة كمّا ونوعا من ظهور بعض العزف الارتجالي وغير المنضبط ومما لا يمكن السيطرة عليه في خضمّ الجماهير الغاضبة، فهناك العنصر الشبابي الذي يكاد يتفجّر حماسة وعنفوانا، أنّى لحركة الأقصى الشعبية العارمة أن توجّه وترشّد هذه الروح العالية؟! فرغم قناعة التوجّه العام بالعزف الجميل والمنضبط إلا أن الأمر يحتمل بعض العزف الذي قد ينتقده البعض وقد يكون محقا في هذا النقد، إلا أن الأمر خارج عن السيطرة.
ويحلو للاحتلال أن يمسك بهذه الفلتات المرتجلة ليركّز عليها بهدفين: ضرب الروح الجمعية العظيمة التي تجسّدت على ساحات الأقصى بالتركيز على الهوامش وإبعاد النظر عن المركز والجوهر، والهدف الثاني التقاط ثغرة لتجنيد دول عربية صديقة له لدعم أهدافه التي تريد أن تصل إلى التقسيم الزماني للأقصى وتسويق خزعبلاته وشعوذات متطرفيه تحت عنوان بائس هو حرية العبادة للجميع.
والكلمة الفصل أولا وأخيرا هي للشارع الفلسطيني وللصخرة المقدسية التي تتحطّم عليها كلّ مؤامراتهم وخزعبلاتهم المنحرفة، الفلسطيني تجمعه أولى القبلتين وتبقى البوصلة واضحة المعالم ولا تنحرف أبدا عن الوجهة الصحيحة والصادقة لهذه الجماهير العاشقة.