فلسطين أون لاين

تقرير رمضان يروي ظمأ عائلة المُحرّر بلال جودة

...
المحرر بلال جودة - أرشيف
نابلس/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

"ربنا يطعمها لكل أمهات الأسرى، ويفطرن مع ولادهن برمضان"، أمنية الحاجة زهيدة جودة التي لا يتردد على لسانها سواها في الشهر الفضيل، فلا سعادة تُعادل سعادة الاجتماع مجدداً على مائدة واحدة مع ابنها المحرر بلال جودة بعد عشرين عاماً من الألم، وهو ما كانت تخشي ألا يسعفها العمر للتمتع به.

فقد آن للحاجة جودة أنْ تُلقي عن كاهلها عبء عشرين رمضانَ خلت قضتها تفكر في بلال ماذا يأكل؟ وكيف يقضي يومه؟ وهل ستلتقي به مجدداً على طاولة إفطار واحدة؟ "لكن ربنا كريم، أكرمني بعد هذا الغياب المرير بأن أجتمع مجدداً أنا وبلال على السحور والإفطار، يمازحني ويتبادل معي أطراف الحديث".

وتضيف: "لقد أصبح الحلم حقيقة فلم يكن يغيب عن بالي لحظة في رمضان، وكلما رأيته معي على طاولة الطعام دعوتُ الله أن يكرم جميع أمهات الأسرى بمثل هذه اللحظات، في حين يدعو بلال لأصحاب الأحكام العالية (المؤبدات) بأنْ يفرج الله كربهم فلا يغيبون عن باله لحظة واحدة".

وتشير إلى أنها طوال العشرين عاماً لم يكن يرتاح بالها إلا بزيارة "بلال" والاطمئنان عليه خاصة في الأوقات التي تشهد توترات في سجون الاحتلال، "كان دائماً يطمئنني عن نفسه ويخبرني بأنه بخير وأنا كذلك كنتُ أخفي عنه كل خبر سيئ في الخارج ولا أخبره بالمعاناة التي أعانيها حتى أزوره، لكن اليوم كلانا يبوح للآخر بالحقائق التي أخفاها عنه".

وإذ تبين جودة أن الغصة تتملك قلبها كلما تذكرت الأسيرات الأمهات اللاتي تركن وراءهن أبناءهن، "أفكر فيهم كيف يقضون رمضان دون أمهاتهم، فهم في كرب شديد، مثلهم كمثل الأمهات اللاتي يقضي أبناؤهن الأسرى رمضان خلف القضبان".

شوق وسرور

ودائماً ما تردد جودة على مسامع بلال "زي ما ربنا طلعك وأفطرت أنا وياك يا رب رمضان الجاي كل أمهات الأسرى يفطرن مع ولادهن وهما محررين".

ولم يعد بلال لأمه وحيداً بل ترافقه في غالبية الأوقات خطيبته وأبناء أشقائه، "لا يخلو البيت من أحفادي الذين هم في غاية السعادة لوجود عمهم وهو أيضاً حنون جداً عليهم".

وفي أثناء إعداد وجبتَي السحور والإفطار لا يفارق بلال والدته يساعدها بكل ما يستطيع، "يحب ألّا يُتعبني فعندما أشاوره فيما يريد أن يتناوله على الإفطار يقول لي ايش ما بدك اطبخي وأنا حاكل".

وعلى غير العادة تنتظر جودة العيد هذه المرة بكل شوق وسرور، تريد أن تتمتع بالعيد الأول مع بلال بعد عشرين عاماً، "في الأعياد السابقة لم أذق طعم الفرح، حتى إنني في إحداها صممتُ على زيارة بلال يوم العيد، ولم يرتح بالي إلا عندما قضيتُ العيد عنده، أريد هذه المرة أنْ أقضي العيد معه في منزلنا".

في حين يُبدي المُحرَّر بلال من نابلس سعادته التي لا توصف بالاجتماع مجدداً مع عائلته في رمضان وبالأخص والديْه، "انتهى حبل التفكير المرهق الذي كان ينتابني كل رمضان، والصراع مع ذكريات رمضان مع العائلة".

فعلى الرغم من أننا كأسرى نحاول خلق أجواء مميزة في رمضان لنتجاهل التفكير فيما يفعله ذوونا بالخارج، لم نكن نفلح في ذلك تماماً، "فوجع البعد عن الأهل في رمضان لا يمكن تطبيبه".

و"رغم كل الألم فإنني لم أكن أبين لوالدتي منه شيئاً، لكن الحقيقة أنني كنتُ في كل زيارة أتمنى أن أعود معها للمنزل، وأصاب بنوع من الإحباط كلما غادرت وتركتني"، يضيف جودة.

ويحمد جودة الله على أن منّ عليه بأن خرج من الأسر ووالداه على قيد الحياة، "هذه أمنية كل أسير أن يتمتع بقضاء وقته مجدداً بين والديه، والحمد لله ها أنا بينهما أشعر بقيمة الحياة والوقت، فكل دقيقة معهما لها وزن".

ذكريات الماضي

ويقضي جودة وقته مع والدته في رمضان يستعيد ذكريات الماضي، ويتعرف على الحياة التي تغيرت بشكل كبير، "لكنني لم أُصدم بهذا التغيير فقد رسمت في مخيلتي صورة عنه، إذ كان كل أسير يعتقل حديثاً أجلس إليه وأتعرف منه على ملامح الحياة بالخارج".

وما ينغص اجتماع جودة بذويه هو زملاؤه الذين تركهم داخل سجون الاحتلال، "فأنا أحمل همهم ووجعهم خاصة الذين قضيتُ معهم أكثر من نصف مدة الاعتقال، فقمتُ بزيارة ذويهم في رمضان خاصة أصدقائي محمد دبك ومنصور أبو عون وزياد القواسمي".

ويوضح جودة أن والدته تعامله كطفل صغير وتدلِّله بشكل كبير خاصة في رمضان، فلا يمر يوم دون أن تسأله عما يريد أن يأكله، "بالنسبة لي كل ما تطهوه لذيذ، خاصة ورق العنب والملفوف، فقد كنتُ مشتاقاً جداً لتناولهما، وهو الأمر الذي لبته أمي بسرعة".