لا يخلو شهر رمضان المبارك من المشاهد والعادات الشعبية التي سادت حتى وقت ليس ببعيد ولم يعد لها مكانة كبيرة مع ازدياد عدد السكان وتبدل ثقافات لطالما أشاعت ألفة اجتماعية بين الفلسطينيين، ومنها الصحن الدوار، والاستقبال الرمضاني، والألعاب الشعبية.
رمضان زمان كان يعني اللمة باجتماع أفراد العائلة الممتدة على مائدة واحدة، وتبادل الزيارات، والأطباق بين الجيران، وطقوس أخرى كاجتماع نسوة الحارة بعد إفطار آخر يوم في رمضان لصنع طبق السماقية الشعبي لأهل غزة، وصناعة أساور الكعك، وقوالب المعمول المحشو بالعجوة، والجوز والفستق الحلبي.
الاستقبال
لا تنسى فيروز عجور مشهد والدتها في آخر يوم رمضاني، وهي تعد طبق السماقية، وكل نساء حارة بني عامر في حي الدرج شرق غزة، يجتمعن في بيتها، يوزعن المهام ما بين تقطيع السلق، والبصل، وعصر السماق بعد نقعه، وإعداد الدقة من الثوم والجرادة الجافة، والفلفل الأخضر، أو قرون الشطة الجافة.
عجور (60 عامًا) كانت تشارك والدتها مع نساء الحارة قبل يومين من عيد الفطر، في إعداد صواني الكعك، والمعمول، تذكر أنها كانت تلف منشفة وتضعها على رأسها قبل أن تضع صواني الكعك، والمعمول، وتذهب بهم إلى فرن الحارة لكي يقوم بخبزهم على نار الحطب.
وتستذكر كيف أن الحارة في هذين اليومين تفوح برائحة الكعك، والمعمول، والسماقية أيضًا، وتقضي النسوة ساعات الليل حتى حلول الفجر في التنظيف وترتيب البيوت، لاستقبال المهنئين صبيحة يوم عيد الفطر.
و"الاستقبال" عادة شاعت بين نساء غزة حيث يتفقن على الاجتماع بعد الإفطار كل يوم في بيت مختلف للجارات.
تقول عجور لـ"فلسطين": "كانت أمي تجهز أطباق الحلوى كالمهلبية، والهريسة، والفواكه، والعصائر منذ ساعات الصباح الباكر، إضافة إلى دلات القهوة العربية لكي تستقبل ضيفاتها".
وتضيف: "عادة الاستقبال انقرضت ولم تعد موجودة كما في السابق، ولكن أحاول إحياءها في العمارة التي أقطن بها، إذ أدعو جاراتي لتناول فنجان من القهوة بعد الإفطار، وأحرص على إعداد القطائف، أو البسبوسة، أو أي نوع آخر من الحلويات".
الصحن الدوار
وعن الصحن الدوار، تقول سيمة شاهين: "كان يدور في كل بيوت الحارة، فكل سيدة قبل الإفطار كانت ترسل مع ابنها الصغير طبقًا لجاراتها من الأكل الذي أعدته على الإفطار قبل أذان المغرب بدقائق، وهي كذلك تعيد الصحن ممتلئًا بأكلة هي صنعتها".
ولا تزال شاهين تحافظ على هذه العادة حتى اليوم مع جاراتها، ولا سيما التي تعرف أنهن لا يستطعن صنع بعض الأكلات التي تحتوي على لحم، أو دجاج، بسبب ظروفهن المادية الصعبة.
تقول أبو شاهين لـ"فلسطين": "ربما هذه العادة اختفت في كثير من الأحياء، ولكننا لا نزال نحافظ عليها في حارتنا، وأعد أن طبق الطعام هو صدقة عن عائلتي، تجلب البركة في الرزق والصحة، ويشيع جو من الألف والتعاضد بين الأهالي".
وتردف: "الأمر لا يقتصر على الطبق المالح، بل أيضًا نتبادل صحون الحلويات كالقطائف بعد أذان المغرب، أو صلاة التراويح".
الألعاب الشعبية
وقديمًا كانت حياة بارود تلعب مع أطفال حاراتها في النصيرات وسط قطاع غزة، بعد صلاة العصر في لعب الألعاب الشعبية كالحجلة، والاستغماية، والسبع حجار، والبنانير، والبرونجية "أم التسعة"، حتى يؤذن المغرب فينصرفن إلى بيوتهن.
تقول بارود (68 عامًا) لـ"فلسطين": "كان رمضان زمان ممتع أكثر، أحفادي اليوم كل واحد منهم متشبث بالهاتف يقلب على اليوتيوب، أو الألعاب دون أي حركة، يومهن ممل ليس فيه نشاط أو استفادة".
ومن العادات القديمة التي تكاد تندثر حالياً، اجتماع الأبناء في بيت الأب، أو الإخوة عند شقيقهم الأكبر لتهنئته بقدوم رمضان، وينطلقون من بيته إلى زيارة أرحامهم في ليالي الشهر الفضيل.