فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير في غزة.. عادات رمضانية تغيبها حرب الإبادة والحصار

...
غزة/ هدى راغب:

اعتاد سامي عثمان أن يجتمع مع أسر أشقائه الأربعة وأبنائهم في اليوم الأول من شهر رمضان، حول مائدة الإفطار التي كانت تحتوي على أصناف مختلفة من المأكولات، ولكن هذه المرة بين أنقاض المنازل المدمرة والخيام التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

ويعد شهر رمضان من أكثر الأشهر تميزًا في المجتمعات الإسلامية، فهو يحمل معه عادات وتقاليد راسخة تجمع الأسر وتعزز الروابط الاجتماعية. ولكن في غزة، تأثرت هذه العادات تأثرًا كبيرًا بسبب الحرب التي ألقت بثقلها على الحياة اليومية، وجعلت رمضان هذا العام مختلفًا عن أي عام مضى.

مع أذان المغرب، يجلس الناجي من الإبادة الجماعية التي استمرت ما يقارب عاما ونصف العام، وسط الأنقاض وبألم ومعاناة لا تطاق، لتناول الإفطار.

يقول عثمان لصحيفة فلسطين: "كنت في شهر رمضان قد اعتدت على تناول طبق الشوربة وآخر من السلطة المكون من الخضار المشكلة لكن اليوم بعد الحرب وإغلاق المعابر اختلفت حالنا كليًا، واعتمدنا على المعلبات، واستغنينا عن كثير من الأطباق والأصناف".

أما الأربعينية ماجدة مراد والتي ترى في رمضان هذا العام والذي سبقه مختلفًا عما اعتادوا عليه من عادات وتقاليد، تقول: "اعتادت والدتي في ليلة ثبوت هلال رمضان على توزيع كابونة رمضانية".

وتوضح لصحيفة "فلسطين" أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب إغلاق معابر قطاع غزة لم يسمح لها بذلك، حتى على صعيد زيارات الأرحام باتت أمرًا صعبًا في ظل شبه انعدام المواصلات لعدم توفر الوقود والغلاء المعيشي وعدم القدرة على شراء الهدايا.

يروي الشاب عبدالله قاسم  (٢٧ عامًا) أحد سكان غزة معاناتهم في رمضان بلا منازل ولا مساجد في القطاع جراء الحرب الإسرائيلية على غزة والتي دمرت كل شيء.

ويقول: "نحن نصلي في الشوارع، ونفطر على ما تيسر، ولكننا صامدون بإذن الله".

الأجواء الدينية والاجتماعية

من جهته، يرى الأخصائي الاجتماعي والنفسي د. إبراهيم التوم أن العادات والتقاليد الرمضانية في غزة تأثرت بشكل كبير بسبب الحرب المستمرة، حيث أثرت الظروف القاسية على الأجواء الدينية والاجتماعية التي تميز الشهر الفضيل.

ويقول التوم لصحيفة فلسطين: "عادةً ما يتميز رمضان في غزة بالأجواء الاحتفالية، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس والأضواء، وتقام الأسواق الرمضانية التي تعرض المنتجات التقليدية والحلويات الخاصة بالشهر الفضيل. لكن هذا العام، غابت هذه المظاهر بسبب الدمار الواسع، ونقص المواد الغذائية".

وعلى صعيد موائد الإفطار الجماعية فإنها تبددت، ويضيف: "تُعرف غزة بروح التكافل الاجتماعي خلال رمضان، حيث كانت العائلات تتبادل الزيارات وتُقام موائد الإفطار الجماعية في المساجد والساحات العامة"، لافتًا إلى أن الحرب فرضت واقعًا مختلفًا؛ فالكثير من العائلات فقدت منازلها، وأصبح تأمين وجبة الإفطار تحديًا يوميًا، مما أجبر العديد من الناس على الإفطار في مراكز الإيواء أو وسط أنقاض منازلهم.

وبسبب الحصار والتدمير الذي طال المزارع والمخازن التجارية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وأصبحت بعض الأطعمة الرمضانية مثل القطايف والمشروبات التقليدية نادرة أو غير متاحة. حتى الفواكه والخضروات التي كانت جزءًا أساسيًا من المائدة الرمضانية أصبحت صعبة المنال، مما أثر على العادات الغذائية للأسر.

ويشير التوم إلى أن صلاة التراويح كانت من أكثر الطقوس الرمضانية التي يجتمع فيها الناس في المساجد، لكن القصف أدى إلى تدمير العديد من المساجد، ما أجبر الأهالي على أداء الصلاة في البيوت أو في العراء. كما أن الانقطاع المستمر للكهرباء وصعوبة التنقل جعلت أداء العبادات الجماعية أمرًا شاقًا.

ويسرد انه حتى الأطفال الذين كانوا يفرحون بزينة رمضان والمسابقات الدينية والسهرات الرمضانية، وجدوا أنفسهم هذا العام يعيشون في خوف دائم، وفقدوا الكثير من لحظات الفرح المعتادة. حتى توزيع الهدايا والحلويات للأطفال أصبح أمرًا نادرًا بسبب نقص الموارد والدمار الذي طال المتاجر والأسواق.

أما فيما يتعلق بالولائم والزيارات العائلية، فيبين أن أهالي غزة كانوا يحرصون على تبادل الزيارات بين الأقارب، وإقامة موائد الإفطار الجماعية التي تجمع الأهل والأصدقاء، لكن هذه العادة تأثرت بشدة هذا العام. فمع الغلاء الفاحش، أصبح إعداد الولائم عبئًا ماليًا لا تستطيع تحمله العديد من الأسر، مما دفع الكثيرين إلى إلغاء فكرة التجمعات الرمضانية، حتى الزيارات البسيطة بين الأرحام تقلصت، حيث باتت العائلات تفضل البقاء في منازلها حفاظًا على مواردها المحدودة.

وينبه إلى أنه لم يعد الإفطار مجرد مناسبة اجتماعية، بل بات تحديًا يوميًا لكثير من العائلات التي تعاني نقص الغذاء، يعتمد كثيرون على المساعدات الغذائية التي تقدمها الجمعيات الخيرية، بينما يضطر البعض إلى تخفيف عدد الوجبات أو الاعتماد على الطعام المتاح بغض النظر عن جودته.

أما السحور، الذي كان في السابق وجبة أساسية تساعد الصائمين على تحمل ساعات الصيام الطويلة، فأصبح مقتصرًا على أبسط الأطعمة، أو حتى غير متوفر لبعض الأسر.

ويختم التوم حديثه: "رمضان في غزة لم يعد كما كان، فالفرح تحول إلى معاناة، والعادات الرمضانية تغيرت بسبب الظروف القاسية التي فرضتها الحرب. لكن رغم كل ذلك، لا يزال أهالي غزة يتمسكون بإيمانهم وصبرهم، ويواصلون التمسك بتقاليدهم الرمضانية قدر المستطاع، على أمل أن يأتي رمضان القادم في ظروف أكثر أمنًا وسلامًا.

المصدر / فلسطين أون لاين