في الوقت الذي صدرت فيه سلسلة من المواقف العربية والإسلامية ضد الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسيين في المسجد الأقصى، فقد أبدت دولة الاحتلال انزعاجها من هذه المواقف المنددة بها، لأنه قد يعرقل جهود التطبيع الجارية مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وقد سعت الأوساط السياسية الإسرائيلية لكبح جماح التوتر الناشب مع عدد من الدول العربية والإسلامية، في ضوء تفاقم الأوضاع المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مع العلم أن تفاؤلا إسرائيليا ظهر مما اعتبر التأثير المحدود لتوتر الأيام الأخيرة على العلاقات العربية والإسلامية لدولة الاحتلال، لأنها أبدت رغبتها هذه المرة بالانتظار، وعدم الاندفاع في إدانة الاحتلال، واختارت هذه المرة التريث، وحتى عندما صدرت تلك الإدانات بعد تأخر لافت، فقد جاءت بصيغة "معتدلة" للغاية، مقارنة في الماضي، وفق التوصيف الإسرائيلي.
تدرك دولة الاحتلال أن ضغوطا شديدة مورست على زعماء دول المنطقة لإدانة الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، وبقوا صامتين لمدة 48 ساعة، ثم أصدروا بيانات "خجولة" بعيدة كالمسافة بين السماء والأرض مقارنة بمواقفهم من السنوات الماضية، حين دأبوا على إدانة الاحتلال بلغة قاسية، لكنهم اختاروا هذه المرة الانتظار، وحتى عندما فعلوا، فقد ظهروا معتدلين نسبيًا، وهذا دليل على أن التطبيع العربي الإسرائيلي يعمل، ويستمر، حتى لو هناك أحداث أخرى، بما فيها القدس والأقصى.
لم تخفِ دولة الاحتلال شعورها بالارتياح النسبي بعد قراءة بيانات الإدانة العربية والإسلامية الأخيرة، لأنها تشكل تغييرا كبيرا مقارنة بإداناتها من الماضي، التي استخدمت فيها لغة شديدة اللهجة، لكن الحقيقة تقول أننا أمام فروق كبيرة، وتغيير جوهري، لأن عددا من زعماء دول المنطقة اختاروا هذه المرة، وليس بالصدفة، الحوار الدبلوماسي، وليس بالكلمات القاسية.
قبل أحداث الأقصى، يستحضر الإسرائيليون الإدانات المفاجئة الصادرة عن دول المنطقة للهجمات الفدائية الفلسطينية في بني براك وبئر السبع وتل أبيب، بزعم أنها تغيير مهم للغاية نحو "الأفضل"، وجاءت احتجاجات المسجد الأقصى أول اختبار منذ بدء عملية التطبيع، وكأن هذه الدول تبدي التزامها اليوم بحل الخلافات مع الاحتلال من خلال القنوات الدبلوماسية.
للأسف الشديد لم تأت مواقف الدول العربية والإسلامية في إدانة عدوان الاحتلال مواكبة لاحتجاجات المقدسيين، مما شكل تطورا إيجابيا للاحتلال، رغم أن هذه الأحداث عملت على التشويش على عمليات التطبيع الجارية، ولعل من أهم إيجابيات الهبة الشعبية الأخيرة الخاصة بالأقصى أنها حشرت هؤلاء المطبعين في الزاوية، و"عرت" مواقفهم، مما قد يزيد من الضغط الداخلي عليهم، مما يستدعي الاستمرار في هذه الهبة، وإبقاء الأقصى في صدارة الأحداث، وفرضها على
أجندة صناع القرار في دول المنطقة!