من المنظور الصحي العلمي فإن من وظائف البنكرياس في جسم الإنسان إخراج الأنسولين للتعامل مع الطعام الذي يتحول لسكر في الدم، وهي وظيفة تقوم بها خلايا بيتا سل، وكلما زاد الجسم من الطعام الذي يحتوي على النشويات والسكريات التي يكون مؤشرها الجلايسيمي عاليا فإن الخلايا تكون مضطرة لإفراز أنسولين أكثر ومع مرور الوقت ترهق تلك العملية الجسم وتجعله مرشحا للإصابة بداء السكري من النوع الثاني، و في النوع الأول فإنه نتيجة لمهاجمة الجهاز المناعي للجسم نفسه نتيجة لسبب ما فإن خلايا بيتا تتعرض للتدمير ويصبح الشخص مصاب بداء سكري لا يستطيع العيش بدون استخدام أنسولين خارجي، تلك الصورة أقرب وصفا للمعادلات السياسية لشعب يرزح تحت الاحتلال كلما تعاطى مع الحلول السياسية المجتزأة ومنح فرصة لعدوه أن يلتقط أنفاسه كلما احتاج أن يقدم شعبه كلفة أكبر، على حساب الحقوق والثوابت، بينما كلما ابتعد عن مشاريع التسوية وتمسك ببندقيته ازداد قوة وأُعطي فرصا أكبر في الحياة والقدرة على تحقيق أهداف نيل حريته، علينا أن نسلط الضوء على أسوأ هجوم مناعي ذاتي حصل في مسيرة قضيتنا الفلسطينية، في الوقت الذي كان شعبنا يعتلي جبل الثورة ويمتطي صهوة نضاله، ويشد على سلاحه ويضغط بأصابعه الوطنية زناد رشاشه على المحتل كان في عافية و سلامة تامة، بينما عندما قرر جمهرة من شعبنا وفريق كان يسطو بفعل الأمر الواقع على مؤسسة الشعب الفلسطيني منظمة التحرير، وله مد جماهيري كبير في حينها اعتقد أنها فرصة سانحة للتوصل لاتفاق سياسي مع الاحتلال الصهيوني يضع حدا لمعاناة الشعب، غير أن المستوى السياسي والعسكري في الكيان كان يرى أنها أعظم هدية فلسطينية لإنهاء الانتفاضة التي كانت كابوسا مرعبا يلاحقه وجنوده أينما حلوا ونزلوا، إنها أوسلو وموروثها السيئ وبنودها المجحفة، وطبيعتها المشبوهة وكل مكوناتها التي لم تمنح شعبنا الفلسطيني اليوم بعد 30 عاما على توقيعها عام 1993م، فكان إقدام حركة فتح على إنجاز وحماية هذا الاتفاق المشؤوم هو الجهاز المناعي الذي هاجم أنسولين الثورة وكمم فوهة البندقية ومنعها من إطلاق الرصاص، وخلال تلك السنين كان الشعب يقدم أنسولينا ثوريا لانتفاضته بدأت بالعمليات الاستشهادية على يد يحيى عياش رحمه الله ثم رفيق دربه الأسير القائد حسن سلامة، وعملية رامز عبيد للجهاد الإسلامي، إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى الثانية، وكانت على موعد جديد من الثورة، ولكن فتح وعباس لم يتركا أوسلو ومساوئها بل ازداد إيمانهما بها وتمسكهما بشروطها، في حين أن الاحتلال لم يأخذ منها إلا ما حافظ على وجوده وضمن أمنه، وتستمر مسيرة الثورة التي مثلت أفضل دواء لحالة ثورية فلسطينية مستمرة جاءت عملية خطف الجندي جلعاد شاليط، والتصدي المتفاني للعدوان الصهيوني الأول من نوعه على قطاع غزة ( معركة الفرقان) 2009م، ثم حجارة السجيل عام 2012م، وتلتها بعامين العصف المأكول 2014م، وعمليات الطعن والدهس والقنص في الضفة والقدس المحتلتين عام 2015م، وحد السيف عام 2018م، كلها كانت أنسولينا يمد الوطن بالحياة والشعب بمداد ثورته ليبقى على جهوزية تامة للدفاع عن أقصاه وقدسه وأرضه ووقف عربدة المستوطنين وحكومتهم، وتوجت أروع صور الدفاع عن الوطن في سيف القدس عام 2021م، والتي تقترب ذكراها السنوية الأولى وفرضت أعظم معادلة مقاومة مع الاحتلال وهي التأكيد على ربط جغرافية الوطن وأنه وحدة واحدة، وتلك جزء من إستراتيجية التحرير لكامل التراب الفلسطيني، وأن الوطن كله وما يشمله من تراب وحجر وبشر وشجر وبحيرات ونهر وبحر فلسطيني خالص ليس لليهود حق فيه، إن استمرار المقاومة المسلحة تدب روح الحياة في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني، وما منع ذبح القرابين من غلاة المستوطنين اليمينيين المتطرفين في المسجد الأقصى بفضل ثبات المرابطين وتحذيرات المقاومة في غزة إلا تأكيدا على هذه المعادلة، فكلما استمرت المقاومة بعملياتها الإبداعية الفردية مثل عمليات بئر السبع للشهيد الشاب محمد أبو القيعان (34 عامًا)، ومن بعده عملية الخضيرة التي نفذها الشهيدان إبراهيم وأيمن اغبارية، ثم بني براك، ورمات غان وسط تل أبيب للفدائي البطل الشهيد ضياء حمارشة، وليس أخيرا عملية الشهيد رعد خازم في شارع ديزنغوف من العام الجاري كلها كانت تمد جسد الثورة الفلسطينية بأنسولين المقاومة الذي يحافظ على ثوريته وديمومته المتمردة على واقع الاحتلال، ومن خلال تلك العمليات وفي ضوء نتائجها وما ترتبت عليه من أبعاد ودلالات فإن شعبنا أصبح أكبر إيمانا ببندقيته وبكلمة الملثم صاحب الكوفية الحمراء وغرفة العمليات المشتركة ورجل الكلمة الفصل قائد المقاومة في فلسطين القائد العام لجيش التحرير الوطني الفلسطيني المجاهد محمد الضيف أبو خالد، الذي أصبح أيقونة المواجهات وعنوان الانتصارات في كل عمليات إحباط مشاريع تهويد المسجد الأقصى من الجماعات الاستيطانية وحكومتهم اليمينية المتطرفة.
إن سير أحداث الأقصى في الأسبوع الأخير الذي مضى وما تخلله من عمليات كر وفر للمرابطين في مواجهة آلة البطش الصهيونية داخل باحات الأقصى وفي شوارع القدس ومدن الضفة المحتلة وقراها ومناطق التماس، وفشل مسيرة الأعلام الاستيطانية؛ ليؤكد معادلة جديدة صنعتها سيف القدس في ذكراها الأولى:
إن دماء الشهداء وصليات الصواريخ، وأزيز الرصاص وسلسلة العمليات، ووعيد المقاومة في غزة وتحذيرها للاحتلال وما تبعه من ردع حقيقي للعدو وكبح جماحه، يعلن بما لا يدع مجالا للشك أن شعبنا اليوم بات يحظى بقيادة وطنية حرة عزيزة وحكيمة تتطلع لما ينظر إليه الشعب وتتوق لما يسعى له كل فلسطيني وهي الحرية والخلاص من الاحتلال.
إن برنامج أوسلو والتنسيق الأمني هو السبب في قيام جهاز مناعي الثورة بتدمير خلايا أنسولين المقاومة ومحاولة الإجهاز عليها، فهو أكبر خطر يشكله على وحدة وتطلعات شعبنا في التحرير، وما سياسة باب الدوار في الاعتقالات مع الاحتلال ونقل المعلومات وإحباط العمليات إلا خير دليل، وعليه يجب أن تنتهي بلا رجعة.
إن المقاومة وأزيز رصاصاتها وهدير صواريخها وعظم شأن طائراتها المسيرة في معاركها السابقة واللاحقة تشكل عنوانا مهما لثورة شعبنا وظهيرا شديدا بعد نصر الله وهي الأحق بالتمسك والنصرة والتأييد.
إن أهمية تشكيل عمل حكومي وطني واقتصاد وطني وتماسك وترابط اجتماعي هي مسؤولية قيادة المقاومة الوطنية التي ينصهر فيها الكل الفلسطيني وإن وقوف الشعب معها وإسنادها أعظم مهمة وطنية تستوجب التحقيق.
وخلاصة القول: إن النصر صبر ساعة وإننا على أعتاب تحرير أقصانا وأرضنا من دنس الاحتلال ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.