فلسطين أون لاين

زاهدة: السلطة تتبع أساليب "رخيصة" في ملاحقة خصومها السياسيين

تقرير الناشط "محمد عمرو".. مرة أخرى لسجون السلطة بأسلوب "وحشي"

...
الناشط الدكتور محمد طه عمرو
الخليل-غزة/ نور الدين صالح:

بلا إشعار مُسبق، وحينما أسدل الليل ستاره واقتربت الساعة من الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة الثلاثاء، وغطَّ المواطنون في سباتهم، فإذ بقوة كبيرة من أجهزة أمن السلطة في الخليل تحاصر منزل الناشط السياسي الدكتور محمد عمرو لاعتقاله ونجله الطالب الجامعي همام.

أكثر من 15 مركبة عسكرية تقل العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية "الملثمين" والمدججين بالسلاح والهراوات والقنابل الصوتية والغاز، وكأنها في مهمة اعتقال لمشتبه به على خلفية جنائية، لكن الحقيقة كانت لاعتقال الناشط عمرو وابنه، كما يروي زيدون عمرو ابن عم محمد.

وقبيل اقتحام عناصر أجهزة أمن السلطة البيت بمدينة دورا خرج الناشط عمرو للتحاور مع ضابط القوة يسأله "هل معكم مذكرة اعتقال رسمية من النيابة باعتقال نجلي همام؟"، بكل عنهجية وتكبُر يرد الضابط "أنا بأعتقل الشخص اللي بدي إياه على التلفون ووقت ما بدي".

مرة أخرى يُكرر عمرو للضابط بقوله: "معكم فرصة أخرى بأن تتصل بي النيابة رسميًّا وتخبرني عن سبب اعتقال همام والتهمة الموجهة إليه"، لكنّ الضابط رفض ذلك.

وفي أعقاب رفض الضابط إحضار المذكرة، اصطف عدد من أقارب "عمرو" في وجه قوة أمن السلطة كـ"سد منيع" لاقتحام المنزل، وحينها وقعت مشادات كلامية بين الطرفين، في وقت أصرّ عناصر الأمن اقتحام المنزل وتفتيشه بالقوّة، وفق ما يقص "زيدون" لصحيفة "فلسطين".

في خطوة خبيثة وماكرة، طلب الضابط الحديث مع "عمرو" بعيدًا وبشكل منفرد، ثم رفع يده وأعطى الإشارة للقوة باقتحام المنزل، وانهال الضابط وعناصر آخرون معه بالضرب والسحل لـ"عمرو" وزجُّوه في إحدى المركبات العسكرية.

نجل "عمرو" الطفل شدّاد (16 عامًا) لم يقبل هذا التصرف الهمجي ضد والده، فراح صوب القوّة، لكنّ الأخيرة لم تتركه بل اعتدت عليه وزجّته إلى جانب والده.

وبحسب "زيدون"، فإنّ الأمر لم يقتصر على ذلك، فقد انهال عناصر أمن السلطة بالضرب على أفراد العائلة وأطلقوا النار في الهواء وقنابل الصوت والغاز صوبهم لتفريقهم، عدا عن الاعتداء على زوجة "عمرو" التي تعاني من مرض في القلب وقد أجرت عملية جراحية قبل أسابيع قليلة، حتى أُصيبت بحالة اختناق شديدة نُقلت على إثرها إلى المستشفى.

ويؤكد "زيدون" أنّ عناصر السلطة لم تتمكن من اعتقال الطالب "همام"، واكتفت باعتقال والده وشقيقه، مُعتبرًا اعتقالهما بهذه الطريقة يندرج ضمن محاولات التضييق والملاحقة المستمرة على خلفية آرائه السياسية ومحاربته للفساد.

وقال: "السلطة لا تريد أيّ شخصية ناقدة لها ومُخالفة لسياساتها"، مُبيّنًا أنّ العائلة في حالة تشاور بشأن الخطوات القادمة التي سيتم اتخاذها ردًّا على اعتقالهما بهذه الطريقة الهمجية.

وأشار إلى أنّ الدكتور محمد تعرّض للتهديد بالقتل من أشخاصٍ في السلطة معروفون لدى العائلة، حال لم يتوقف عن نشاطه السياسي، ما يزيد حالة القلق بين أوساط العائلة، مُحمّلًا السلطة ورئيسها محمود عباس المسؤولية الكاملة على سلامة مُعتقلي العائلة الذين يجهرون بصوتهم من أجل وطن خالٍ من الفساد والتنسيق الأمني. 

وانتقد الناشط السياسي صهيب زاهدة اعتقال الناشط "عمرو" بهذه الطريقة الوحشية، على خلفية آرائه السياسية الناقدة للسلطة، مُشيرًا إلى أنّ الأخيرة اعتقلته عدة مرّات سابقة على خلفية الرأي والتعبير.

وأوضح زاهدة في حديث لـ"فلسطين" أنّ السلطة استدعت "عمرو" عدة مرات سابقًا، وهو ما يعتبرها الأخير "إهانة للمواطن الفلسطيني"، لذا يرفض الذهاب لمراكز أمن السلطة كونها لا تستند إلى نصٍّ قانوني.

واستهجن اعتقال "عمرو" في هذه المرحلة المُكتظّة بالأحداث في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، ما شكّل "صدمة كبيرة" للكلّ الفلسطيني، مُضيفًا أنه ليس هناك أيّ مبررِ لاعتقال "عمرو" ونجله في ظلّ الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تتطلب وحدة الشعب الفلسطيني وليس محاربة النشطاء السياسيين.

أساليب رخيصة

ولم يقتصر الأمر على اعتقال "عمرو"، فقد اعتقلت أجهزة أمن السلطة الطالب الجامعي عبد الرحمن العبري، بطريقة قمعية، كما أسلوبها عند اعتقال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات الذي استُشهد نتيجة الضرب والسّحل بوحشية في 24 يونيو/ حزيران 2021.

وأفادت مصادر محلية بأنّ أمن السلطة اعتقل الطالب "العبري" بعد نصب كمين مُحكمٍ له، وهو أسلوب يتبعه جيش الاحتلال ضد المقاومين.

وانتقد زاهدة هذه الأساليب التي تستخدمها السلطة في اعتقال النشطاء والطلبة، واصفًا إيّاها بـ"الرخيصة"، مُؤكدًا أنّ الاعتقال والاستدعاء على خلفية نقد السلطة أو نشر منشورات عبر "فيسبوك" غير قانوني. 

واعتبر أسلوب "نصب الكمين" طريقة لاعتقال "مافيا" ومُخرّبين، وليس طلبة جامعات أو نشطاء سياسيين، مُضيفًا أنّ السلطة أصبحت كيانًا طاردًا للمواطنين والمُثقّفين، ووجودها غير مرغوب به.

واستهجنت مجموعة "محامون من أجل العدالة" أسلوب السلطة في اعتقال "عمرو"، مُوضّحة أنّ الأمر لم يقف عند عدم إبراز مذكرة اعتقال هذه المرة، بل تعدّاها إلى إطلاق الرصاص واستخدام السلاح.

وأوضحت المجموعة في بيان لها أنها تابعت اعتقال الأجهزة الأمنية الناشط "عمرو" وابنه من منزلهما دون وضوحِ أيّ مُسوّغٍ قانونيٍّ حتى اللحظة، ودون تحقيق أدنى الطرق القانونية في عملية الاعتقال، والأهم تعريض المعتقل وعائلته للخطر عبر استخدام السلاح. 

ووجّهت نداءً عاجلًا إلى النائب العام للإفراج الفوري عن محمد عمرو وضمان صحته وسلامته، وإعادته سالمًا إلى عائلته.