فلسطين أون لاين

إياكِ أعني واسمعي يا جارة

...
صورة تعبيرية

يقال: إن أول من قال: إياكِ أعني واسمعي يا جارة، هو سهل بن مالك الفزاري، وذلك أنه خرج يريد النعمان بن المنذر، ملك المناذرة بالحيرة، فمرَّ ببعض أحياء طيِّئ، فسأل عن سيِّد الحي، فقيل له: حارثة بن لأم.

فأمَّ رَحْلَهُ فلم يُصبْهُ، فقالت له أخته: انْزِلْ في الرَّحْبِ والسِّعة، فنَزَلَ فأكرمته ولاطفته، ثمَّ خَرَجَت من خبائها فرأى أجْمَلَ دهرها وأكملهم، وكانت عقيلةَ قومها وسيِّدَة نسائها، فوقَعَ في نفسه منها شيء، فجَعَلَ لا يَدْري كيفَ يُرسِل إليها ولا ما يوافقها من ذلك!. فجَلَسَ بفِناء الخِباء يوماً وهي تسمع كلامه، فجَعَلَ ينشد ويقول:

يا أختَ خَيْـــرِ الْبَــدْو والحَضَــارَةْ .. كَيْـــفَ تَرَيْنَ في فَتى فَزَارهْ

أصْبَـــحَ يَهْــوَى حُـــرَّةً معْطــــارَهَ .. إيَّـــــاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ

فلمَّا سمعَت قوله؛ عرِفَت أنه إيَّاها يعني، فقالت: ماذا يقول ذو عقلٍ أريبِ، ولا رأيٍ مُصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّمَاً، ثمَّ ارتَحَلَ متى شئتَ مسلماً.

فاستحيا الفتى وقال: ما أردتُ منكراً واسوأتاه!، قالت: صَدَقْتَ، فكأنَّهَا استَحَيَتْ من تسرُّعها إلى تُهْمته، فارتحَل، فأتى النُّعمَان فَحَبَاه وأكرمه، فلمَّا رجعَ نزَلَ على أخيها، فبينا هوَ مُقِيم عندهم تطلَّعَت إليه نفسُها -وكان جميلاً- فأرسَلَت إليه أن اخْطُبني إن كان لكَ إليَّ حاجة يوماً من الدَّهْرِ، فإني سريعةٌ إلى ما تُريد، فخَطَبَهَا وتزوَّجَهَا وسارَ بها إلى قومه. يُضرب لمن يتكلَّم بكلامٍ ويريد شيئاً غيره.

وبعد تلك الواقعة أصبح يُضرب هذا المثل في الوعيد والتهديد والتلميح، وعلى الرغم من كونه ينتمي إلى أمثال الفصحى ولكنه أخذ منحى الأمثال الشعبية في كثرة تداوله وذلك لسهولة مفرداته ولوضوح معانيها فصار ينطق به على كل لسان، وهو في كل الأحوال يستخدم عندما يكون هناك من يرسل قولاً يريد به معنى معيناً لكي يفهمه شخص بعينه فيقول: إياكِ أعني واسمعي يا جارة.. أي أن القول الذي أطلقته هو يخصه بالذات فلا يجب أن يتغافل عنه أو يظهر عدم الفهم أو يبين قلة الاهتمام واللامبالاة.