فلسطين أون لاين

لا يخلو من البهجة وغصة الهدم والمطاردة لا تفارقهم

تقرير في "العراقيب".. "الشِق" يجمعهم على مائدة رمضانية واحدة

...
العراقيب (أرشيف)
النقب المحتل-غزة/ مريم الشوبكي:

تمسك حاكمة رشيد أحبال الزينة المضيئة، تعلقها ما بين السيارة والشجرة لتدخل البهجة على قلوب أطفالها التسعة، حيث مسكنها في قرية العراقيب بصحراء النقب، وما إن تنتهي حتى تبدأ في صنع أرجوحة على فروع الأشجار لكي يلهو بها في نهار رمضان حتى يحين موعد أذان المغرب.

تفرش رشيد (55 عامًا) بساطًا على الأرض أمام سيارتها، ويبدأ أطفالها بمساعدتها في ترتيب سفرة الإفطار، برص أكواب الماء، وحبات التمر، والمشروبات الغازية، وفي المنتصف تضع طبق المنسف الذي صنعته من لحم الخروف واللبن الجميد الذي يصنع من حليب الماعز على موقد من نار الحطب.

لمة أهل القرية

تصر رشيد على صنع البهجة واستشعار أجواء الشهر الفضيل، رغم أنها تعيش كما جميع أهل القرية في حالة ترقب وخوف دائمين لاحتمال أي اقتحام للجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهدم بيوت أهالي القرية.

تتفق رشيد مع نساء القرية على تحديد ساعة مراقبة لكل واحدة منهن، إذ يراقبن مداخل العراقيب لتحذير سكانها من قدوم جيبات الاحتلال لاقتحام القرية، إذ يطلقن الخيول لكي تهرب بعيدًا حتى لا يتمكن الجنود من مصادرتها.

ولا تزال الإفطارات الجماعية الرمضانية من العادات الجميلة التي يحافظ عليها فلسطينيو العراقيب، إذ تحضر كل واحدة من النساء مائدة الإفطار التي أعدتها لأسرتها ويتشاركنه معًا، كما تشاركهن زائرات من خارج القرية، إذ يفطرن في مكان منفصل عن الشق الذي يجتمع فيه الرجال للإفطار والصلاة والمسامرة.

وتبين رشيد أنها تفضل طهي وجبة الإفطار في أيام الصيف تحت الشجرة المقابلة لسيارتها، حيث تضع موقد الغاز، وموقد الحطب وتجهز عليهما طعام الإفطار، الذي يتكون عادة من اللبن.

وعن أشهر الأكلات البدوية التي تصنعها نساء القرية، توضح أنها الفتة البدوية وهي عبارة عن خبز من الصاج مقطع، ويضاف إليه طبيخ اللبن المخيض، أو الجميد المطهو باللحم، والمقلوبة، والمنسف أيضًا حاضران على مائدة الإفطار.

تقول رشيد: "ما ينغص فرحة أجواء رمضانية، واللمات العائلية هي اقتحام الاحتلال للقرية باستمرار، وفي أي وقت، ولا سيما على موعد الإفطار والسحور، إذ يقومون بتكسير البيوت، وتفتيش بطاقاتنا الشخصية، ومصادرة الحلال (المواشي)، إضافة إلى الخوف الدائم من اعتداءات المستوطنين بإطلاق النار علينا".

وتحن رشيد إلى العودة لصنع اللبن، والجبنة، واللبنة، والجميد، والسمن الحيواني، بيدها كما كانت تفعل قبل عشر سنوات، غير أن الاحتلال يمنعهم من تربية المواشي منذ 2010م، ويعمل على مصادرتها باستمرار.

الإفطار بالشق

ولرجال العراقيب أيضًا طقوس في شهر رمضان تميزه عن أشهر السنة، وهي تجمع جميع الرجال في "الشق" وهو مركز القرية طيلة أيام الشهر، حيث يُحضرون الأطباق التي أعدتها زوجاتهم ويشاركون بعضهم الطعام، وفق عزيز الطوري.

ويقول الطوري لـ"فلسطين": "يتم تحضير الشق بفرشه فراشًا جديدًا، وتزيينه بأحبال مضيئة، كما يتم تزيين الخيام، وبيوت الصفيح، لإدخال البهجة على قلوب أهل القرية".

ويتابع: "في رمضان يتزاور أهل القرية ولا سيما الأخوات، والنساء المتزوجات خارجها، فيتوافدن بأعداد كبيرة، ورجالهن الذين يتناولون الإفطار في الشق، ويصلون التراويح، ويكملون سهرتهم في سماع الدروس الدينية لرجال دين من القرية".

وما يستذكره الطوري هو أحاديث الآباء والأجداد عن القصص المطاردة والتصدي لاقتحامات الاحتلال على مر السنوات الماضية، إذ يقضون ليالي رمضان في رواية القصص، والحكايات المرتبطة بالشهر الفضيل.

ويشير إلى أن أهالي العراقيب يقيمون لياليهم في رمضان بالمديح النبوي، والابتهالات، والأناشيد الدينية، والأمسيات الرمضانية التي تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل.

وقبل موعد السحور ينفض تجمع رجال القرية، إلى خيامهم ليتناولوا طعام السحور مع زوجاتهم وأطفالهم، بخلاف وجبة الإفطار.

ومن أكثر الأكلات التي تحرص نساء القرية على صنعها، يذكر الطوري أنها "فتيت اللبن" بعد تقطيع خبز الصاج، ومن ثم سكب اللبن المخيض (الحامض) عليه، ومن ثم وضع السمن الحيواني المذاب عليه، ويقدم على وجبة الإفطار.

ويقضي أهالي القرية ليلهم ونهاره في حالة ترقب لأي اقتحام لجنود الاحتلال للقرية، إذ يقضون أيامهم في إعادة بناء خيامهم، وبيوت الصفيح التي تهدم أكثر من مرة خلال الشهر، ورغم ذلك يتمسكون بأرضهم ويصنعون البهجة من قلب الألم.