لم يكن عيد الفصح هذا العام سعيداً لنفتالي بينيت وأركان حكومته اليمينية المتطرفة، لأنه سيكون بين خيارين أحلاهما مر، الأول: عدم السماح للمستوطنين بذبح قرابينهم داخل باحات المسجد الأقصى، وهو السيناريو المرجح، في ظل التداعيات المحتملة، التي دفعت لأطراف دولية وإقليمية للتدخل لمنع انفجار الأمور، ما يفسر بأنه هزيمة للحكومة الإسرائيلية أمام الفصائل الفلسطينية وهو ما يفقدها أصوات اليمين المتطرف مع احتمالية الذهاب لانتخابات مبكرة مع تطور الأحداث وانعكاسها على تماسك الائتلاف الحاكم.
الثاني: السماح للمستوطنين بذبح القرابين، وهو ما يؤدي إلى انفجار الأمور في الأراضي الفلسطينية، وانعكاسات ذلك على دول إقليمية مهمة بالنسبة لتل أبيب، وتداعيات المشهد على إسرائيل سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
إن ما تقوم به (إسرائيل) في القدس المحتلة يأتي ضمن إستراتيجية ممتدة تتعاقب على تنفيذها حكومات بأيديولوجيات مختلفة ولكنها متوافقة فيما بينها فيما يتعلق بالقدس، فمنذ حادثة حريق المسجد الأقصى يوم 21/8/1969م لم يكن هذا اليوم سهلاً على (إسرائيل) وعلى رئيسة الحكومة الصهيونية جولدا مائير، فقد قالت مقولتها المشهورة آنذاك: "لم أنم طوال الليل، كنت خائفة أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده".
منذ ذلك التاريخ والإستراتيجية الصهيونية تجاه القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية تسير على قدم وساق، وتنطلق من ركائز خطيرة جوهرها يقوم على السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب. في المقابل المسلمون والعرب غارقون في تفاصيل حياتهم اليومية، وأزماتهم السياسية والاقتصادية، والفلسطينيون غارقون بحالة تيه وانقسام.
بهذا النهج انطلقت (إسرائيل) في سياساتها التوسعية، ضاربةً القانون الدولي بعرض الحائط، ومتجاوزةً شروط الاعتراف بكيانها المزعوم، عبر التزامها بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادرين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني1947 (قرار التقسيم 181) وقرار (194) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول سنة 1948، الذي ينص على إعادة اللاجئين وتعويضهم.
فنالت (إسرائيل) الاعتراف الدولي، ولم تلتزم بالقرارات الدولية، بل على العكس تماماً، فهي تمارس سياسة ترانسفير وتهجير لا تقل خطورة عن نكبة عام 1948، أو نكسة حزيران 1967، فـ(إسرائيل) ماضية في تهجير السكان العرب وفي تغيير معالم المدينة المقدسة، وما نتحدث به ليس في القدس الغربية، والتي بلغت تركيبتها السكانية من اليهود وغير العرب 99.1%، وإنما نتحدث عن شرقي القدس التي نصت العديد من قرارات الشرعية الدولية بأنها عربية فلسطينية، ولكن (إسرائيل) وبمساندة من حلفائها الغربيين عملت وما زالت تعمل على تغيير الوقائع على الأرض، من خلال زيادة ملحوظة في وتيرة الاستيطان، وبناء الوحدات الاستيطانية، ومخططات عديدة تقوم بها بلدية القدس لطمس معالمها، ويضاف لذلك الحملة المسعورة لحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى للبحث عن هيكلهم المزعوم، وهذا من شأنه تحت أي ظروف طبيعية قد تحدث في مدينة القدس أن ينهار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
أما الأخطر من ذلك كله ما ذهبت إليه دراسة للدكتور أحمد دحلان بعنوان" الصراع الديمغرافي الإسرائيلي – الفلسطيني في مدينة القدس.. دراسة جيبوليتيكية"، وأهم ما جاء بها "أن إسرائيل نجحت في تغيير التركيبة السكانية في شرقي القدس، إذ بلغت نسبة اليهود 40.7% مقابل 59.3% للسكان العرب في عام 2010، وفي المقابل مارست سياسة التطهير العرقي في غربي القدس التي شكل اليهود وآخرون 99.1% من جملة سكانها.
وأظهرت الدراسة انخفاضاً ملحوظاً في الخصوبة الكلية عند المرأة العربية من 4.51 مولود حي للمرأة في عام 2001 إلى 3.92 مولود حي في عام 2010، وفي المقابل ارتفع معدل الخصوبة الكلية للمرأة اليهودية من 3.69 مولود حي إلى 4.17 مولود حي خلال نفس الفترة.
وبعد كل اشتباك يشهده المسجد الأقصى، يبدأ الاحتلال الصهيوني بتوظيف العملية لاستكمال حلقات تهويد المدينة المقدسة، فبدأت إجراءات البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة داخل باحات الحرم القدس الشريف، وهذا يعيد للأذهان كيف وظفت (إسرائيل) عام 1994م عملية إرهابية قام بها المجرم المستوطن باروخ جولدشتاين ضد المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي، حيث قامت بعد العملية بتقسيم الحرم الإبراهيمي مكانياً وزمانياً، وهو ما يدلل أن الاحتلال ليس بحاجة لذرائع لتنفيذ إستراتيجيته التي تؤسس لأن تبقى القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية.
والأخطر من ذلك مصادقة الكنيست على مشروع قانون أساس "القدس الموحدة" الذي يمنع التنازل عن القدس الشرقية، ما يؤكد أن وهم حل الدولتين لم يعد قائماً، فالقانون سيقوض الحكومة ورئيسها من تقديم تنازلات في القدس الشرقية للفلسطينيين.
إن ما يجري بالقدس هو مقدمة للانفجار الأكبر فلسطينياً، والذي سيكون صادماً لكل الأطراف الإقليمية والدولية، ولهذا الانفجار أسبابه نلخصها فيما يلي:
تتعدد الأسباب والهدف واحد، وهو السيطرة على القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الصهيوني، وبناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى. وعليه فهناك مجموعة من الأسباب ستدفع المقدسيين للانفجار ومن خلفهم كل مكونات الشعب الفلسطيني، من أهمها:
1- الأسباب الدينية: تحتل القدس مكانة دينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وبذلك تكمن أهميتها السياسية، وعليه بدأ الكيان الصهيوني منذ احتلالها في عام 1967م، بعملية تهويد منظمة تستهدف المدينة المقدسة، فبدأ بأعمال الحفريات تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حتى بات البناء مهدداً بالسقوط في أي لحظة، وبدأت عمليات التدنيس والاقتحام للمستوطنين ولجنود الاحتلال مستمرة للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، حتى وصل الأمر لدخول جنود الاحتلال ببساطيرهم باحات الأقصى.
2- الأسباب السياسية: بدأ المواطن المقدسي يشعر بحجم المؤامرة التي يحيكها المجتمع الدولي ضد القدس، مع ازدواجية المعايير التي ينتهجها الغرب مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مقارنة مع الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية.
يضاف لذلك حجم التقاعس الإقليمي في تعزيز صمود المقدسيين، إضافة إلى ما يشاع حول إمكانية تقديم السلطة الفلسطينية تنازلات حول القدس الشرقية في أي عملية تفاوض مع الاحتلال الصهيوني.
3- الأسباب الاقتصادية: يتعرض المقدسيون لحالة ترغيب كبيرة قد لا يصمد في وجهها سوى الأتقياء والأبرار والأبطال، فالجمعيات الاستيطانية تعرض ملايين الدولارات على المقدسيين لبيع عقاراتهم ومنازلهم، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على جنسيات دول أوروبية وأمريكية، ويرفض المقدسيون ذلك، وما زالوا متمسكين بأرضهم وعقيدتهم، ولكن الاحتلال لم يتركهم، فمنذ زمن ويفرض عليهم مزيدًا من الضرائب أهمها ضريبة الأرنونا، ويسحب الهويات، ويهدم المنازل، وبذلك الوضع الاقتصادي مأساوي بما تعنيه الكلمة، وللأسف هناك تقصير عربي وإسلامي وفلسطيني تجاه القدس، والمرابطين في الأقصى.
4- الأسباب الديموغرافية والجغرافية:
من أهم المرتكزات التي تقوم عليها السياسة الصهيونية تجاه القدس هي السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب. ويتم تطبيق ذلك من خلال زيادة ملحوظة في وتيرة الاستيطان، وبناء الوحدات الاستيطانية، ومخططات عديدة تقوم بها بلدية القدس لطمس معالمها وتقطيع أوصالها، وصولاً إلى تهجير سكانها، والإعلان رسمياً أن القدس هي العاصمة الموحدة للدولة اليهودية التي تناقض نفسها عندما تدعي أمام العالم أنها دولة ديمقراطية.