على وقع أخبار الاقتحام المتوحّش صبيحة يوم الجمعة الثانية لرمضان تظهر تجليات المشهد الفلسطيني والعربي، تنكشف الأم الحقيقية من الأم المدعية، القدس هي الكاشفة والفاضحة والفارزة لألوان المشهد كافة.
لا نشكّ أبدا بأن شعوبنا العربية والإسلامية كافّة تنبض نبض القدس وتتحرّق ألما وقهرا وتتمنّى أن تحظى بوقفة عزّ تنصر فيها القدس، أو تكون كمن يرابط من أحرار وحرائر القدس وفلسطين ممن تمكّنوا من الوصول هناك رغم أنف الاحتلال وحواجزه اللعينة، شعوبنا تدرك تماما ماذا تعني لهم القدس وتدرك حجم الجريمة التي يمارسها هذا الاحتلال البغيض، وهذا مهم لمستقبل هذا الكيان وما يبنيه عن نفسه في العقل الجمعي لبحر الشعوب الذي زرع نفسه كجزيرة غريبة في عمقه.
وهناك المنبطحون الجبناء الذين يقتاتون على تخاذلهم وسياستهم المائلة كلّ الميل للعجز والخور والكسل، وهناك ما هو أسوأ وأمرّ، هناك من باعوا أنفسهم وتماهوا مع أهداف عدوّهم بشكل كامل بل تجاوزوا المتوقّع منهم، انحازوا إلى النقيض التام، تصهينوا بل صاروا صهاينة أكثر مما توقّع من خيانتهم بنو صهيون، قدّموا كلّ إمكاناتهم بل وتفانوا في تقديم خدماتهم الجليلة للمحتلّ. أيها المطبعون العرب، أيها السائرون نحو التطبيع! اعلموا أن هذا لن يفيدكم بشيء بل سيزيدكم خزيا وعارا ولن تغفر لكم القدس ولا أهلها حالتكم المزرية من الهوان والعمالة والجوسسة، أنتم سائرون بأقدامكم إلى مزابل التاريخ ولن ترحمكم شعوبكم عاجلا غير آجل، خاصة شعوبكم وهي ترقب حركة الثلّة المرابطة التي تحرجكم وتكشف كلّ سوءاتكم.
اليوم هؤلاء المرابطون والمدافعون بكلّ بسالة وعنفوان وبكل ما أوتوا من قوة وجهد، هم من ينبغي عليهم وضع البوصلة، وهم من يحدّد أولويات المرحلة لا غيرهم، لم يعد محتملا أن يأتي من هو أقرب إلى أهداف أعدائنا في القدس فيتحكّم بالقرارات المصيرية للامة ويتحكم بكل مقدراتها وثرواتها وبطاقات شبابها وشيبتها، ولا يضح في حساباته القدس ومستقبلها، لم يعد محتملا أن يعمل أعداؤنا للقدس أكثر مما نعمل أو عشرات الاضعاف مما تعمل الامة قاطبة للقدس.
هذه الاحداث وهذا الصراع الطويل والعميق على القدس يضعنا أمام مسئولياتنا كل حسب موقعه ووفق قدراته، إذ كلنا راع وكلنا مسئول عن رعيّته، من السّهل إلقاء المسئولية على طرف من الأطراف وراحة بال بقية الأطراف، لكنّها القدس لا تقبل هذا أبدا، القدس تريد منا أن نخرج كل مكنوناتنا الطيبة، تتحرك منا الارادات النبيلة، وترتفع الهمم وتعمل على مدار السنة للقدس، القدس ليست موسما سنويا ثم ينقضي أياما معدودات ليعود السنة القادمة، القدس تحتاج إلى عمل دؤوب وتحتاج أعمالنا المميّزة.
نصرة القدس يجب أن تبقى عنوانا دائما وليست شعارا موسميّا، وبصراحة ليس من الخطأ أن نتعلّم من أعدائنا رغم أنهم على الباطل ونسبتهم للقدس واهية ولا تستند إلى الا اساطير واهية وشعوذات لا أصل لها ولا أساس، ولا ترقى لمستوى الحديث الموضوع عندنا، هم جعلوا القدس نصب أعينهم فكرا وسلوكا وسياسة وعملا دؤوبا على كل مستوياتهم الرسمية وغير الرسمية.
فلتكن القدس برنامج عمل ونصرة دائمة على كل المستويات الفردية والشعبية والفصائلية والحزبية والمراكز البحثية والعلمية. فكرا وثقافة وسلوكا وجهادا وثورة، هم قالوا لتقطع يميني ان نسيتك يا قدس، فماذا نحن قائلون؟