فلسطين أون لاين

​إلى أحباب "القُمرة"

...
خاص - فلسطين

يقدم الموقع الإلكتروني لـ"جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي"؛ مجموعة من الملاحظات القيمة لكل الذين اختاروا مرافقة الكاميرا:

من الأسئلة الكبرى التي يتم طرحها على المصورين المؤثّرين في عالمهم ومحيطهم؛ ماذا تفعل بصورك؟ هل تتركها حبيسة بطاقات الذاكرة ومجلّدات الأجهزة الذكية؟ هل ترجمتها الوحيدة بالنسبة لك الإرسال الإلكتروني للمشاركة في المسابقات وطباعتها بغرض العرض في المعارض؟ ووضع المميزّ منها بالفوز أو بغيره في إطاراتٍ وبراويز أنيقة وحبسها في المنزل؟ نعلمُ جيدًا أن عددًا منها سيجد طريقة لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي ويحصد الإعجابات ويتفاعل معه الناس بالتعليقات، وسيحقّق هذا لك نسبة انتشارٍ واسعة بالتأكيد، لكن هل تظن أن قدرة الصورة على صناعة الفارق تتوقّف عند هذا الحد؟

في إحدى القرى التي تعرّضت لسيولٍ جارفةٍ أسقطت العديد من الضحايا، طلب مصور من أهل القرية صورًا للضحايا وقام بدمجها في عملٍ فنيّ على شكل قلبٍ كبير في مكانٍ مرتفع تسهل مشاهدته لكل أهالي القرية، كان لهذا التوظيف البصري بالغ الأثر في نفوس الأهالي وخاصة ذوي الضحايا الذين خصصوا بيتًا متواضعًا للمصور يمكث فيه متى شاء عرفانًا وامتنانًا منهم لهذا العمل الذي مسّ شغاف قلوبهم وخلّد ذكرى أحبابهم.

***

المهارة في التصوير تكتسب بالممارسة ولا تشترى بالمال. بيرسي دبليو هاربس

***

يجب أن تتعلم العين الاستماع قبل تعلم النظر. روبرت فرانك

***

الشوارع تعجّ بالقصص النائمة على جنباتها وأرصفتها وأسطحها والنوافذ المتلصّصة على الواقفين والمارّين، من أولى المهارات التي يجب على مصوّر الشارع اكتسابها وممارستها هي مهارة الاقتراب، مصور الشارع يجب أن يجيد الاقتراب من أهدافه كي يلتقط تفاصيلها بوضوح.

وإذا كان هذا الهدف هو "أشخاص" فالمهمة أصعب، سيكون عليه أن يكون ماهرًا في التواصل مع الآخرين، إذ إن من أصول حياة الشارع التعايش مع أهله وسكّانه، وكسب ودّهم وتعاطفهم، وتبادل الأحاديث المناسبة لفكرهم واهتماماتهم ومستواهم التعليمي كي يشعروا بالأمان والاطمئنان، والذي يعزّزه حديث المصور عن عمله وعن الأماكن التي قام بتصويرها والصور التي تم نشرها، ومشاركتهم أفكاره عن الصور التي سيلتقطها لهم وأهدافه من ذلك وعن الخطوات التي ستلي ذلك من حيث نشر الصور أو غير ذلك، بعد هذا كله يجب أن يطلب منهم الإذن بالتصوير وإذا لم يحصل عليه فعليه الانسحاب بكل هدوء وسعة صدر.

مصور الشارع عليه واجبات معرفية عديدة إذ يجب عليه أن يكون ملمًّا بالتشريعات القانونية والأعراف الشعبية الخاصة بالخصوصية في المنطقة التي يقوم بالتصوير بها تفاديًا لخرق القانون أو خرق العرف وبالتالي التعرّض لإشكالاتٍ مع السكان.

أيضًا على مصور الشارع أن يتحلّى بالجرأة الكافية لتنفيذ أفكاره على مرأى من الناس الذين قد يعبّرون عن استغرابهم أو استنكارهم أو أية ردود أفعالٍ سلبية تجاه طريقته في التقاط الصور، هنا لقوة الشخصية دور كبير في التعامل مع هذه المواقف وربما تطويع الموجودين لخدمة تلك الأفكار بطرق وديةٍ قد يشوبها بعض المرح لكسر الحاجز الاجتماعي وخلق حالة من التعايش وتقليص التوتر إلى أقصى حد؛ لقطات الشارع تروي قصصًا.. على الصورة أن تنقلها مكتملة.

***

ذات يوم كانت "مُنى السيد إبراهيم" ذات الأربعين عامًا تجرّ عربة البضائع في منطقة المنشية كعادتها كل يوم، سعيًا لطلب الرزق من خلال العمل المضني والذي لم يكن لديها بديل عنه، كانت تحظى بسمعة جيدة في منطقتها والجميع يثقون بها وبأمانتها وجدّيتها في العمل. لم يخطر ببال "مُنى" أن ينتبه أحد لمعاناتها بطريقة تقلبٍ حياتها تمامًا.

محمد إسماعيل، من أهالي المنطقة رأى "مُنى" مرتين وهي تجرّ عربة البضائع الثقيلة لكن الظروف لم تكن مواتية لالتقاط الصورة، وفي ذلك اليوم رآها مجدّدًا خلال حديثه عبر الهاتف المحمول فأنهى المكالمة والتقط لها صورة بعدسة هاتفه تظهر فيها "مُنى" وهي تجرّ عربة ممتلئة بالصناديق، ويظهر على جانب الصورة بعض الشباب الجالسين في مقهى شعبي؛ محمد نشر الصورة ولم يكن يتوقّع أن تحقّق هذا الانتشار الكبير وتصبح حديث الناس وتحظى بشهرة واسعة على صفحات التواصل الاجتماعي، وحتى بعد هذه الأحداث لم يكن من أولوياته الظهور وقطف ثمار شهرة الصورة، بل أصبح لديه المزيد من الحماس لنشر المزيد من الصور للحالات المشابهة عسى أن تصل للرأي العام وتحقّق الأثر المنشود.

الأحداث المتلاحقة التي حصلت مع "مُنى" لم تكن تتوقّعها حتى في أجمل أمانيها، فقد أصبحت حديث القاصي والداني من خلال تناقل صورتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وتسليط الضوء عليها من قبل بعض البرامج التلفزيونية الشهيرة، وصولًا لاستضافتها من قِبَل رئاسة الجمهورية وتكريمها والإشادة بكفاحها وإصرارها على العمل، وتوجيه الدعوة لها للمشاركة في المؤتمر الوطني القادم للشباب حتى يتسنّى للجميع التعرف على تجربتها. هذا إضافة لدعم عدد من رجال الأعمال لها، حيث قرّر أحدهم شراء شقة تؤويها هي وأسرتها المكونة من شقيقها وزوجته وأولاده كما تبرع آخر بمبلغ 100 ألف جنيه لها وتبرع ثالث بتوفير محل تجاري وبضاعة خاصة بها.

الشاب محمد إسماعيل كانت سعادته غامرة بهذه النتائج الإيجابية في حياة "مُنى" والتي بدأت من خلال صورته، وأنه كان سببًا في تعويضها عن أيام الشقاء والتعاسة والمعاناة. ومن خلال تجربة محمد إسماعيل الناجحة مع التصوير نعود لنؤكّد قدرة الصورة العالية على التغيير ونقل الحقيقة وصناعة الحلول وإسعاد الناس ولفت نظر الرأي العام لقضايا مهمة. وعلى أن أي شخص قادر على صناعة أثرٍ إيجابيّ في حياة الناس إذا عَمِلَ على تفعيل حاسة الاستشعار البصري لديه؛ إذًا صورة بجودة متواضعة غيرت جودة حياة منى.

***

كن على استعداد للنظر لبضع سنوات للوراء وتأمل نفسك وصورك ثم اضحك.

***

التصوير الناجح يرتكز على عمق الشعور وليس على المجال. بيتر آدمز

***

هناك العديد من المحترفين المتمكنين من التصوير، لكن قلة منهم قادرون على لعب دور "المُلهِم" الذي يسعد الناس ويقدّم لهم الفائدة والمعرفة والحماس للعمل والمثابرة.. عندما تقدّم وجبات المعرفة للآخرين اختر أطباقًا إيجابية بيضاء.

***

المصور لا يصبح مصورًا بالمصادفة تمامًا كمروض الأسود. دورثي لانج.

***

النسبة العظمى من المصورين العالميين الذين قدّموا للبشرية فوائد جمّة وغيّرت أعمالهم الكثير من الأمور السلبية إلى الإيجابية، وتركوا إرثًا ثمينًا للأجيال من بعدهم، اختارت أن تلعب دور التلميذ حتى مع امتلاكها لجميع أدوات وخبرات ومؤهلات الأستاذ؛ وهذا من أهم أسباب تميّزها عن الباقين.

***

أن تصور يعني أن يتناغم عمل الرأس مع العين والقلب على نفس الوتيرة. هنري بربسون

***

إياك ورفع شعار الاكتفاء من ثقافة الجمال إذا كنتَ تطمحُ لعلاقةٍ طويلة الأمد مع الإبداع؛ تستشعر الكاميرا الضوء، لكن استشعار الجمال خاصيّة بشرية.

***

النظر ليس كافيًا.. يجب أن تشعر بما تصوره. آندريه كربيتش

***

انظر وتأمل قبل فتح الغالق؛ القلب والعقل هما العدستان الحقيقيتان للكاميرا.