الزريبة هي الطريقة التي يحاصر فيها مسار القطيع كي يسير وفق ما يريد لها الراعي أن تسير دون أن تشاغب أو أن تحيد عن الطريق المرسوم، والقطيع نوعان: "سمار أو قل الماعز" أو " بياض أو قل الخراف"، السمار مشاغب ويحاول القفز على المسارب ومحدّدات السير بينما البياض يسير وفق ما يشتهي الراعي تماما، يخفض رأسه ولا ينظر إلا إلى ما بين قدميه.
زريبة قلنديا أعدت إعدادا محكما بعقلية الاحتلال المجنونة، أعدّت للخراف البياض واخذت بعين الاعتبار احتماليّات تسلّل السّمار فوضعت طرقا للكشف عنها وفرزها وضبطها كبقيّة الخراف، أعزّكم الله ثلاثا مع اعتذاري لهذا التشبيه لكن بكلّ مرارة هذا ما يفعلوه بنا دون أي مبالغة على حاجز قلنديا وكل الحواجز اللعينة الفاصلة بيننا وبين قدسنا. ولم تتبقَّ إلا خطوة واحدة خرق آذاننا وتعليق البطاقة الممغنطة فيها. ولا أستبعد مفاجأتنا في سنوات قادمة بهذا الإجراء الأمني البسيط الذي قد تتفتّق عنه عقلية الهوس الأمني التي تنطلق منها كلّ هذه العبقريات.
عبقريتهم الفذّة عملت مسارا من المتاهات، ومفاصل في هذه المتاهات بين الحين والآخر تجري عليها عملية الميزان الأمني الدقيق، بادئ ذي بدء تصطفّ طابورا طويلا محاطا بالحجارة الاسمنتية الضخمة، مسار طويل دون أن يكون لك حول ولا قوّة ولا حتى أن تظهر الألم والشكوى، يقوم بفحص هويّتك رجل الهوس الأمني فإذا ظهر عنده أي شائبة أمنية أو أنك في يوم من الأيام خرجت عن ما يريده الاحتلال منك، ولم تسر في طريقه الملتوي المستقيم فإنه يصدر عليك حكما سريعا منه، فهو هنا يمثّل الحاكم والمفتّش والجلاد، رجل المهمّات الثلاث الصعبة، يحكم عليك بعدم أهليتك واستحقاقك لنظام " الزريبة" فلا يحق لك الاستمرار مع القطيع، يدخلك مسرب العودة ويحقّق لك حق العودة من حيث أتيت وعدم أهليتك للصلاة في المسجد الأقصى إطلاقا، ولا يحق لك الجدال أو النقاش إذ أنّك بذلك تعطّل حركة القطيع وتشكّل ضررا على الصديق قبل أن يكون ضررا على العدوّ. ليس لك في هذا الحالة إلا أن تطأطئ رأسك وتقفل راجعا قبل أن يغضب عليك الصديق. وليس لك أن تتحرّك حركة السمار إذ إنك رضيت باللعبة من البداية ورضيت أن تلعب دور قطيع البياض دون السمار.
إن نجوت من التمحيص الثاني السريع! فإنك تكون قد فزت وتأهلت للفحص الثالث، عفوا لم اتحدّث عن الاوّل وكأنه معروف بداهة إذ أعلنوا أن من يحق لهم الصلاة أن يكونوا فوق الخمسين عاما، ديننا يجعل هذا السنّ سن التمييز وقد تكون السابعة فما فوق، هم قالوا غير ذلك رفعوا السقف الى خمسين، لا يريدون لأحد أن يدخل هذه الصلاة العظيمة إلا لمن تأهل لها بحق ولا يتم هذا إلا لمن هو فوق الخمسين، فوق الخمسين عندهم تكون قد بردت حميّتهم وخارت قواهم ونامت عزائمهم وفترت هممهم، بمعنى آخر تأهلوا " للزريبة" ( هكذا يظنّون هم أما نحن فلا نظنّ فيهم إلا خيرا).
التمحيص الرابع: تمرّ على كاشف الكتروني لينظر ما بداخلك وليستشعر ما بجيوبك وليتأكّد أنّك مسالم مجامل متناغم بكلّ ما تحمل وبكامل قواك العقلية مع نوايا الراعي صاحب المشاعر الجميلة والتسهيلات العظيمة لخط سيرك العظيم. وهذا يفضي بك الى معّاطة رقم واحد.
التمحيص الخامس: الذي يؤهلك الى دخول المعّاطة الكبيرة ( باب حديدي دوّار يفتح بكبسة من داخل غرفة الشعوذة الأمنية) عليك أن تقدّم هويتك للنافذة الي تضع رقم هويتك على حاسوب له قرون استشعار حسّاسة جدا بحيث يخرج لك أي حركة تحرّكها هذا الخروف تحت الفحص وقد خالفت تعاليم الخرفنة المسالمة الجميلة المتناغمة مع قوانين الاحتلال، أما إذا كنت الفلسطيني الممغنط أي الذي مغنطوك بمنحك هوية ممغنطة فإن عليك الدخول في زريبة الممغنّط وهذه تنتهي بمعّاطة سريعة جدا، تنتف ما تبقى من ريش أو شعر بضربة واحدة لتخرج من هذه الزريبة الى زريبة أطول، منكوس الرأس منتوف الشعر مكسور الجناح.
هنا تظهر المعايب وتنكشف السرائر، الويل والثبور لك إن كنت من أصحاب السوابق، يعيدونك من حيث أتيت في خط الزريبة المعاكس، وهناك من يتم حجزهم إمّا للاعتقال والسجن وحيث سوء العاقبة والأحوال أو إن كنت محظوظا قد دعت لك أمّك في الصباح فإنهم يعيدونك بعد أن يتأكّدوا من فوات الصلاة، أيّ إبليس يسكن في هذه العبقريات المتجرّدة من كلّ شيء سوى ساديّة العذاب وتمرير سياسة المجانين المعاتيه صنّاع القرار في هذه العصابة التي تسمّي نفسها دولة؟!
بعد محنة المعّاطات وتمحيص الممغنطات تدخل متاهة الولادة العسيرة، تبدأ المتاهة بالصعود سلّم طويل كي تتخلّص من أدرانك لتصل إلى صلاتك طاهرا نقيًّا، صلاة تصلها بشقّ الأنفس تختلف عن الصلاة التي لا مشقّة فيها ولا نصب إذ الاجر على قدر المشقّة وعدوّنا يعلم هذه القاعدة فيضاعف المشقّة أضعافا مضاعفة، ترتقي سلّمًا في السماء وتمشي طويلا لتحطّ رحالك حيث الحافلات التي أعدّت للمتقين، ولا تنتهي المسارب والزرائب بل تسير في زريبة أعدت خصيصا للحافلات، هنا سير جماعي وزحف الحافلات نحو القدس، هذه ليست القدس التي نعرفها جيدا، هذه قدس طرقها أصبحت مثل تلك الزريبة ومحاطة بالحديد والنار والجنود المدجّجين بالسلاح والأحقاد والعيون الزجاجية الناقمة، تتربّص بك غلطة أو لحظة ميل عن خط الزريبة لينهمر عليك الرصاص، بشقّ الأنفس تصل باب العمود لترى تبدّل الزمان والمكان، ترى فرسان الهيكل والتتار، عليك أن تضبط نفسك وتحشره في أعماق صدرك وأنت ممنوع من الكلام أو حتى مأمأة الخراف. وتسير مع السائرين حتى إذا وصلت الى مكان ترى فيه القبة والجنان كان لك جند البوابات بالمرصاد، أنت هنا عرضة للفحص والابتزاز والإعادة من تلك الأبواب أو إن أردت الاستشهاد.
هنيئا لمن وصل رغم كل هذا الألم، نحن لا نحتجّ على الأنقياء الاتقياء الذين يصرون على حقّهم في الصلاة بمسجدهم، لهم منا كلّ الاحترام، إنما نستنكر فعل اللئام ونعرّي توحّش المتوحّشين وما يفعلوه بنا ونحن نسعى لحقنا في الصلاة.